تدوين- سوار عبد ربه
بلغة سمتها الدفء والمحبة والأمل، كتب الأسير أسامة الأشقر على مدار 13 عاما، مجموعة من المراسلات، وتلقى بعضا من الردود، من وإلى شخصيات عربية وعالمية، حية وميتة، بعضها يعرفها وأخرى سمع عنها أو قرأ عنها في الكتب التي طالعها داخل الأسر، مجموعة الرسائل هذه حررها الأشقر عبر خطيبته منار حلاوة التي شقت الجدران وأخرجت أسامة ورسائله وكتبه وأوصلتها إلى كل أرجاء المعمورة، فصارت كتابا بعنوان "رسائل كسرت القيد"، أطلقته المكتبة الوطنية ومؤسسات الأسرى يوم أمس، في حفل أقيم بمؤسسة محمود درويش، شارك فيه رئيس نادي الأسير قدورة فارس، والشاعر المتوكل طه، ومنار حلاوة خطيبة الأسير أسامة الأشقر، وسيّره رئيس المكتبة الوطنية عيسى قراقع.
والأشقر هو أسير فلسطيني من سكان قرية صيدا قضاء طولكرم، اعتقل خلال الانتفاضة الثانية عام 2002 بعد أن طورد لمدة عامين على يد الاحتلال الإسرائيلي.
حكم بالسجن ثماني مؤبدات وخمسين عاما، وأنهى دراسته الثانوية والجامعية البكالوريوس والماجستير داخل السجن. وصدر له كتاب للسجن مذاق آخر، كما كتب المئات من المقالات.
وفي كلمته قال قراقع إن كتاب "رسائل كسرت القيد" جاء ضمن مشروع ثقافي هام يقوده الأسير أسامة تحت عنوان "أسرى يكتبون"، والذي هدف إلى الربط بين المناضلين داخل السجون والمبدعين من أبناء شعبنا الفلسطيني، ثم تطور المشروع لمراسلات خارج الوطن ثم إلى مراسلات للمئات من الشخصيات العربية والعالمية لحشد الدعم للقضية الأسرى، ولعدالة القضية الفلسطينية.
وارتكزت مداخلة رئيس نادي الأسير قدورة فارس على أدب السجون، وقيمة المعرفة والعلم بالنسبة للأسرى في مواجهة مساعي الاحتلال لتغييبه وعزله ثقافيا، ما جعلهم يتنافسون داخل هذا الفضاء رغبة منهم في تطوير المعرفة عبر القراء والعلم، ذلك لأساسية عامل النضال داخل هذا الحيز للانتصار على الاحتلال.
ويرى فارس أن المعرفة والفائدة التي يحققها الأسير من خلال معرفته ليست بالمعنى الشخصي إنما تلك التي يهبها ويعطيها للآخرين لأنه يعلم أن مسيرة كفاحه متواصلة ومستمرة والأجيال بحاجة لأن تضخ فيها من تجربة الأسرى.
وعن أسامة قال فارس، إنه كغيره من الأسرى أجده منهمكا في عملية التحرر من الاحتلال كأنها وظيفة أو التزام، عبر خط متواصل في إطار هذه المهمة، رغم تبدل المواقع والمسؤوليات إلا أن اتجاهه لا يتغير. أما عن رسائل أسامة، ففيها إيمان عميق وثقة بقدرة الشعب الفلسطيني على تحقيق الحرية والاسقلال.
نصب أسامة نفسه وزيرا للخارجية وأخذ يتواصل مع مؤسسات الأسرى ليطلعوه على أسماء شخصيات عربية وعالمية يمكن أن يكتب لهم، ليطلعهم على القضية الفلسطينية وهذا من وحي إيمانه بحتمية زوال الاحتلال والنصر، وفقا لفارس.
وفي تعريفه لأدب السجون قال فارس إنه أدب إنساني ولد من رحم المعاناة والقهر داخل الزنازين، ويحمل وجهين فإما أن يكون نتاج تجربة شخصية أي بقلم من عاش تجربة الأسرى وعانى من قسوة الجلاد فعبر عن معاناته وعن بشاعة المحتل وعن مشاعره في ظل البعد القسري عن أحبته من خلال نصوص تتسم بالمصداقية والعفوية والإيحائية. وإما أن يكون من غير الأسرى عن الأسرى.
ويرى قدورةى أن تحربة الاعتقال بما فيها من قسوة وحرمان شكلت بيئة لقد خصبة لتفجر الطاقات الإبداعية وقد استطاع الأسر تنمية مواهبه من خلال قراءاته وسعة إطلاعه، ولا شك في أن تجربة الاعتقال بما فيها من معاناة قد ساهمت في إطلاق العنان للإبداع الذي تجلى في أعمال الأسير أسامة وغيره ممن أدركوا برسائل الشوق والمحبة وأصروا على نبش الذاكرة المحشوة بالمواقف والمكتظة بالمشاعر".
من جانبه، تحدث الشاعر الفلسطيني المتوكل طه عن مساعي الاحتلال لقتل الزمن الفلسطيني، عبر آليات مختلفة بينها السجن، هذا لكي يبقى الزمن الإسرائيلي جامحا وقويا وحداثيا في اللحظة التي يكون فيها الزمن الفلسطيني متراجعا.
ويرى طه في الكتابة أنها مكابدة مؤلمة لإثبات الذات وهي شكل من أشكال المقاومة وسلاح في وجه إجراءات إدارة السجون وهي إثبات للذات في مواجهة الإلغاء والشطب، كما أنها التركيز على الحياة والقدرة على التحدي، مشيرا إلى حاجتنا في فلسطين إلى كتاب يرجون فكر سياسيا ورأيا جماعا وعميقا وموضوعيا.
ووفقا هذه الحاجة برسم المعتقلين المثقفين أفراد وجماعات، الذين عليهم أن يبتكروا على مبدأ التجاوز والنقد وأن يتحرروا عند الكتابة من تجليات الأزمة من الجهوية والفصائلية، من اللغة النهائية خصوصا أن الوضع الفلسطيني المعيش يتقدم نحونا بأسئلة حارقة لا أحد يجيب عليها سياسيا ووطنيا واجتماعيا ولدينا على المتسوى الثقافي أزمة مركبة تمتد من الهوية إلى الأدب، ولا يوجد رؤية استراتيجية جامعة لمواجهة هذا التحدي، مضيفا: وأحسب أن الأسرى قد يشكلون إرهاصة مبشرة تعين على مواجهة هذه الأزمة التي تهدد الهوية.
وينتمي هذا الكتاب إلى أدب الرسائل وفقا للشاعر، كما يمكنه أن يكون وثيقة تاريخية ثقافية اجتماعية سياسية يمثل مقطعا عريضا من تداعياتها وتشاركاتها عبر المرحلة التي صدر فيها هذا الكتاب.
وعن لغة هذا الكتاب قال طه إنها مستمدة من أناقة الفكرة، لغة الكاتب توحي بالدفء، المحبة، المصالحة مع الذات ومع الذاكرة الوطنية والإنسانية، وهي لغة مبطنة بمواقف حاسمة على المستوى الوطني والسياسي والفكري وهي لغة سلسلة رشيقة مباشرة لا تتغير، لغة مليئة وتعج بالرهافة والود والحب مشيرا إلى أن من لعب دورا محوريا في هذه الأمور هو علاقته مع منار.
لمشاهدة الحفل كاملا: