الجمعة  29 آذار 2024

الممثلة المسرحية رائدة طه: الانقطاع الثقافي الذي حدث عام 1948 أسهم في تأخر المسرح الفلسطيني

2023-05-28 09:55:45 AM
الممثلة المسرحية رائدة طه: الانقطاع الثقافي الذي حدث عام 1948 أسهم في تأخر المسرح الفلسطيني
الكاتبة والممثلة المسرحية رائدة طه

تدوين -سوار عبد ربه

إيمانا منها بأن ليس للحلم عمر، تنقلت الممثلة والكاتبة الفلسطينية في حقول كثيرة، إلى أن استقرت في مكانها الطبيعي كما تصفه الذي ترى فيه ذاتها وتبدع، ولاحقت حلم الطفولة الذي راودها في أن تصبح ممثلة مسرحية، درست الصحافة والإعلام، وعملت سكرتيرة إعلامية للرئيس الراحل ياسر عرفات، إلا أن شغفها المسرحي ظل يلاحقها حتى لاحقته، وأصبحت اليوم واحدة من أهم الممثلات المسرحيات الفلسطينيات.

وفي لقاء خاص مع تدوين قالت الكاتبة والممثلة المسرحية رائدة طه، "إن المسرح كان حلما قديما منذ الطفولة، وما أسهم في تأجيج هذه المشاعر تجاه المسرح، إقامتي في بيروت لفترة من الزمن، نظرا للجو الثقافي الغني الموجود آنذاك".

كان لإقامة طه في بيروت أثر في تراكمية المشهد الثقافي لديها، إلا أن أسبابا كثيرة حالت دون ملاحقة حلمها، كالحروب التي تعاقبت على لبنان، وكونها ابنة الشهيد علي طه، فكانت النظرة آنذاك أن عليها التخصص في جانب أكثر جدية.

وحول هذا قالت طه: "كانت النظرة لابنة الشهيد أن عليها أن تدرس شيئا أكثر جدية من المسرح، وكأن المسرح ليس جدي، إلا أنه متعب ومرهق".

وفي الوقت الذي لعبت عوامل كثيرة في تأجيل حلم طه في أن تصبح ممثلة مسرحية، كانت والدتها في الجانب الآخر تعزز هذا الحب المسرحي لديها، فكانت تحرص على تواجدها وأخواتها ضمن نشاطات المدرسة الثقافية، ولم تتوانى يوما عن اصطحابهم إلى المسرح والسينما وغيرها من العروض الثقافية، ما أسهم في الغناء البصري لديها، إلا أن ظروف الحياة أخذتها في منحى آخر، وفقا لطه.

درست الكاتبة والممثلة المسرحية الصحافة والإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عمر ال 22 عملت مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي منحها فرصة الانخراط بالعمل السياسي.

تصف رائدة تلك الفترة بأنها مدرسة بحد ذاتها، معتبرة أنها لو بدأت عملها المسرحي في وقت مبكر، لما كانت لتحظى بكل هذه التجارب والفرص المتنوعة والسفر، والمؤتمرات، بالإضافة للشخصيات الاعتبارية التي كانت تلتقي بها بحكم عملها، التي رأت فيها مسرحا أيضا.

وترى طه في تواجدها في إطار منظمة التحرير لثماني سنوات دورا مهما في نمو شخصيتها وصقلها، ما جعلها قادرة على توظيف هذه الصفات المكتسبة من العمل السياسي في تجربتها المسرحية، حتى أنها تجيب ممازحة لمن يسألها عن مكان دراستها للمسرح أنها درسته في منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي رصيد طه ثلاثة أعمال مسرحية، "ألاقي زيّك فين يا علي"، "شجرة التين"، 36 شارع عباس"، ترى فيها سلسلة من الرواية الفلسطينية من منطلق معين، لأنه من غير الممكن لأحد أن يغطي القضية أو المروية الفلسطينية كاملة.

وتحظى الأولى بحصة الأسد من العروض المسرحية التي تقدمها الممثلة في الوطن ودول العالم، إذ تتناول قصة والدها الشهيد علي طه، الذي استشهد عام 1972 في مطار اللد، إثر عملية خطف طائرة "سابينا" البلجيكية، رحلة رقم 571، وانتهت باستشهاده ورفيقه عبد الرؤوف الأطرش، واعتقال تيريز هلسة وريما عيسى اللتين شاركتا بالعملية.

وتقدم طه في هذه المسرحية "مونودراما" ملحمية، تحكي سيرة العائلة بأسلوب روائي ساخر، تعرج فيه على جوانب إنسانية لواقعة الاستشهاد.

أنسنة القضية الفلسطينية مسرحيا 

وفي إجابتها على سؤال حول أنسنة القضايا المتعلقة بالملفات التي أفرزت نتيجة الاحتلال كالشهداء واحتجاز جثامينهم والأسرى والعودة وغيرها، ومدى إسهامها في إيصال رسالة العمل، قالت طه: بعد 75 عاما من الاحتلال من لا يرى إنسانيتنا كفلسطينيين فهذه مشكلته، ونحن لسنا بمكان لنثبت للعالم إنسانياتنا ولا مضطرين لهذا".

وأضافت: بات واضحا أن جزءا من العالم غير معني بالالتفات إلى قضيتنا لذا لم يعد من الضروري أن نثبت أن الفلسطيني إنسان، منبهة إلى أن الثورة الفلسطينية عندما انطلقت خلفت وجها ثوريا للفلسطيني ساعدت الملصقات التي طبع عليها صورة فدائي يحمل كلاشينكوف وغيرها من الرموز في تعزيزها، ما أسهم في أخذ طابع مختلف عن الفلسطيني".

وتابعت: "رغم هذه الصورة التي رافقت الفلسطيني إلا أن هذا لا يلغي كونه إنسان من لحم ودم، وفي ظل وسائل التواصل الاجتماعي اليوم التي أصبحت منصة ينشر عبرها وحشية الاحتلال في التعامل مع الفلسطينيين، ألا أن البعض ما زال يشكك في إنسانيتنا، وهذا يدلل على نقص في إنسايتهم".

أما عن مسرحياتها "ألاقي زيك فين يا علي"، ودورها في هذا الجانب، أوضحت طه إن الهدف منها ليس أنسنة القصة بشكل مباشر، بل رواية تجربتها الخاصة غير المنفصلة عن الواقع العام، والتي تعكس آلاف القصص الفلسطينية.

وتمكن أهمية المسرحية بالنسبة للمثلة كونها حقيقية وواقعية وبسيطة، وتتناول قضية المرأة الفلسطينية، الشهيد، أولاد الشهداء وغيرها من المواضيع بشكل طبيعي، ما أعطاها نجاحا كبيرا وعمقا في معناها الفلسطيني، غير المفصول عن السياسة، ما أعطاها بعدا ثقافيا وإنسانيا.

وترك رحيل والدها شهيدا في عمر مبكر، أثرا عميقا في نفسها مشيرة إلى أنه ليس طبيعيا ألا يكبر الأولاد في كنف والديهم، وأنا وآلاف أبناء الشهداء نعاني الفقد، والحرمان، إلا أن البيئة الحاضنة لنا كانت تشعرنا بالفخر والاعتزاز بالنفس، فنسينا أن نحزن، لأن الشهيد بالنسبة لنا تحول لأيقونة غير ملموسة، ما أثر على شخصيتنا وصحتنا النفسية، بنسب متفاوتة لكل واحد منا".

أما عن الدور الذي لعبته المسرحية على المستوى الشخصي لرائدة، كونها تحكي قصتها بتجرد أمام الجمهور على مختلف المسارح في فلسطين والعالم، قالت طه: "ليس سهلا أن يقف الممثل على المسرح ويعري نفسه، إلا أن هذا الأمر يدخل في موضوع البوح الذي هو نصف العلاج.

وأشارت الممثلة إلى أن عملية البوح تساعد المرء على التخلص من الآلام والأحلام والحرمان والذكريات، ما ساعدها وإخوتها، وغيرهم من أبناء الشهداء وغير الشهداء الذين فقدوا ذويهم، ذلك لأنها استطاعت أن تلامس جوانب عميقة داخلهم.

وعن عملها القادم قالت إنه سيكون عن الشهيد غسان كنفاني كشخص، ذلك لأن الحياة الشخصية ليست منفصلة عن الحياة السياسية، حتى أنها مع الوقت شخصيتها أصبحت غير منفصلة عن قضيتها بحيث أصبح هنالك تماهي بين الجانبين، وما زالت في طور البحث والكتابة للعمل القادم.

أثر النكبة على المسرح الفلسطيني

وعن دور المسرح الفلسطيني اليوم في تناول القضية الفلسطينية وتخليدها، نبهت رائدة إلى الانقطاع الثقافي والاجتماعي الذي حدث في فلسطين في أعقاب النكبة بفعل عملية الطرد الجماعي التي جرت لأكبر عدد من الفلسطينيين، الذين طردوا بشكل همجي ما أدى لانفصال عن واقعهم وتاريخهم وثقافتهم ما أخذهم وقتا كبيرا لإعادة البناء، وهذا يجب أخذه في الحسبان عند التطرق لدور المسرح الفلسطيني.

وأكدت طه أن عملية البناء والتنمية والنمو، عملية مستمرة وعلى مر الوقت استطاع الفلسطيني أن يبني جسرا مع الداخل والخارج نظرا لتواجده في كافة أنحاء العالم، إلا أنه حان الوقت لأن تصبح الأعمال المسرحية تقيم بناء على معايير تقنية وفنية ومن ناحية المضمون، وليس لكونه عملا يحاكي القضية الفلسطينية فقط.

وترى الممثلة المسرحية أننا سينمائيا أقوى من المسرح، ذلك لأنه في الجانب الأخير لا زلنا نفتقد للكثير، وفي الضفة الغربية خصوصا المسرح الفلسطيني ضعيف، ينقصه القالب الأرقى لوضع قضيتنا الفلسطينية فيه، مشيرة إلى وجود أعمال مبتذلة بحاجة إلى إعادة لتطويرها وتنميتها.

كما ترى أننا فلسطينيا في السينما والفن التشكيلي أصبحنا على الخارطة العالمية، ومسرحيا ما زال الطريق طويلا في هذا الجانب، فالمسرح مكلف جدا ويحتاج إلى انفتاح، وما أن نضع قضيتنا في قالب مختلف سننجح.

أما عن وجود ثقافة مسرحية في فلسطين، فترى الممثلة المسرحية أن هذه الثقافة هي عملية تراكمية، إلا أن المتلقي الفلسطيني ذكي جدا، لا يجب الاستهانة به، كما أنه متعطش لتلقي ما هو جديد، ويتفاعل معه، إلا أن وجود الاحتلال شكل عثرة أمام انفتاحنا على العالم.