الإثنين  29 نيسان 2024

سونيا نمر: نجاح الكاتب في تنمية الخيال لدى الناشئة يبني مقاتلي المستقبل

2023-08-16 09:39:31 AM
سونيا نمر: نجاح الكاتب في تنمية الخيال لدى الناشئة يبني مقاتلي المستقبل
د. سونيا نمر

تدوين- سوار عبد ربه 

منذ بدء الخليقة، عرف البشر القصة كأداة أولية للتعبير، فهي الطريقة الوحيدة التي يفهم فيها العقل البشري الأمور ويتفاعل معها، يقول الفيلسوف فرانسيس بيكون إن "أكثر المشاكل تعقيدا يمكن توضيحها في قصة"، وعليه فلكل فئة عمرية أدبها الخاص الذي تتفاعل معه وتلبي حاجاتها الترفيهية أو التثقيفية من خلاله.

وجد أدب الأطفال والكبار مكانا مستقرا في العالم العربي قراءة ونشرا، إلا أن أدب اليافعين ظل حقله شبه فارغ من الكتاب المختصين، وكذلك من تعريف موحد على الأقل من حيث الفئة العمرية المندرجة تحت هذا التصنيف.

وللوقوف عند نشأة أدب اليافعين، وخصائصه، وأدواته، وغيرها من المحاور التي سيتطرق لها المقال تفصيلا، التقت تدوين بواحدة من أبرز الكاتبات العربيات في مجال أدب الأطفال واليافعين، سونيا نمر، وأجرت معها حوارا شاملا.

وفقًا لسونيا نمر؛ اتجه الكتاب في العالم العربي إلى كتابة الأدب لليافعين بسبب ندرة الأعمال في هذا المجال ولأن أدب الأطفال يقتصر على الأطفال فقط، أي كتبه المصورة، التي تحوي رسوما توضيحية، وألوانا، وغيرها من وسائل الجذب، لا تعتبر جاذبة لليافعين، الذين أيضا ليس بوسعهم أن يقرأوا روايات نجيب محفوظ على سبيل المثال، أو على الأقل لا يستطيعون التفاعل معها.

وفي الحين الذي يعاني منه الوطن العربي من نقص في أدب اليافعين، كان الفلسطينيون سباقون في مسألة طرق باب هذا الأدب، رغم قلة عددهم، وفقا للكاتبة.

وبحسب الكاتبة، فإنه على أدباء هذا الحقل أن يمتلكوا اللغة والخيال، إضافة إلى ضرورة مقاربة خصوصية الكتابة لهذه الفئة من حيث اللغة المستخدمة، بعيدا عن التبسيط أو التعقيد.

وإلى جانب اللغة، على الكاتب أن يواكب التطور المتلاحق في هذا العصر بحيث تكون إنتاجاته الأدبية قادرة على شد القارئ الناشئ، وهو ما يشكل التحدي الأبرز لكاتبي هذه الفئة، إذ تفتقر الكتابات العربية في هذا الحقل إلى عنصري التشويق والجذب، بحسب نمر.

تشغل د. سونيا نمر أيضًا منصب أستاذة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت. وحول هذا الخليط بين الفلسفة التي تتخذ من الوجود والمعرفة والقيم والعقل والاستدلال واللغة، أطروحات معقدة لدراستها أو حلها، والكتابة للفئة التي ما زال مخزونها اللغوي والمعرفي طور البناء، تقول نمر: "إن الكاتب هو حصيلة تجاربه على كل الأصعدة، سواء قراءاته، أو تجاربه الشخصية أو عمله أو اهتماماته الثقافية بشكل عام، وفي ظل هذا الخليط يبقى الهدف الأساس من الكتابة للأطفال واليافعين ليس طرح الفلسفة، إنما أن يقدم الكاتب إنتاجات أدبية ممتعة بالنسبة لهم، وإذا نجحت الكتابات في اجتذاب القارئ حتى النهاية، يحسب إنجازا للكاتب في هذا العصر".

وترى نمر أن كتابة أدب اليافعين أصعب من غيره، من ناحية المفاهيم المطروحة والقيم المجتمعية، والتي تحتاج إلى إعادة النظر مرارا قبل طرحها النهائي، إلا أن انخراطها في مجال الفلسفة وسع لديها الأفق بما تعنيه القيمة الإنسانية.

تتخذ نمر من الإناث بطلات لكافة قصصها، وهي واحدة من القيم المجتمعية التي تحرص على طرحها دوما، لتقول لهن إنهن قادرات على إنقاذ العالم، وأن يكن كما يرغبن بعيدا عن القوالب الجاهزة التي تؤطر الأنثى في مجتمعاتنا العربية شكلا ومضمونا.

مساحات هامشية وضرورية

وإلى جانب المسائل المجتمعية التي يتسع لها هذا الحقل، توجد مساحة هامشية للتاريخ والسياسة أيضا، يمكن طرحهما بشكل غير مباشر، وحول هذا تقول نمر: "لست معنية أن أكتب للطفل الفلسطيني الذي يعيش المأساة، عن مأساته، رغم أهمية هذا الجانب، إلا أن هذا ليس دور الكاتب".

وتضيف: "في قصصي أعود إلى التاريخ بشكل طفيف، لأوصل رسالة بأن امتدادنا قديم، وهنا تكمن الفكرة من استخدام التاريخ في الكتب، أما السياسة فيمكن أن تطرح أيضا، كما حدث في واحدة من قصص المغامرة التي كتبتها، حول فتاة تذهب لجلب غرض أثري من متحف الآثار الفلسطيني الذي أصبح اسمه "روكفلر" فيما بعد، وفي طريق رحلتها تخشى اجتياز حاجز قلنديا كي تصل إلى الغرض الذي سينقذ العالم وفقا لحبكة القصة.

وتوضح: بهذا المعنى يمكن أن تتداخل السياسة في قصص الأطفال، إلا أن وظيفة الكاتب ليست أن يعلمهم السياسة، بل أن ينجح في تنمية الخيال لديهم الذي بدوره سيبني مقاتلي المستقبل.

الخيال أولا

وترى نمر أن استخدام الخيال منوط بالبحث عن أدوات مختلفة لتفادي أخطاء الماضي، وهذا ما يجعل المفاهيم كلها متداخلة، بعيدا عن الرسائل السياسية المباشرة التي قد تؤدي بالكتب إلى سلة المهملات، وهذا ما يجعل للخيال والعقل وظيفة قادرة على حل المشاكل أيا كانت.

كما أن الخيال وفقا للكاتبة، يأتي بفكرة، والفكرة هي البذرة التي بدورها ستصنع الفعل، وعليه يمكن أن تبنى الشعوب، ويبنى المستقبل.

سبعة مواضيع تتكرر

وتتنوع موضوعات أدب الأطفال واليافعين في العالم كله، لتشمل الفانتازيا والمغامرات، كما يمكن أن تطرح من خلالها قضايا مركبة لا زالت غير مناقشة في مجتمعاتنا العربية، كالطلاق والحزن والموت، والمثلية الجنسية، وغيرها، كما في المجتمعات الغربية.

بالمحصلة، يمكن حصر أدب الأطفال واليافعين في سبعة مواضيع، تتكرر منذ بدء الخليقة حتى اليوم بطرق مختلفة، وفقا للكاتبة، كأن يواجه بطلا القصة تحديات، وأن يجدا لها حلولا للتغلب عليها، أو أن ينتصر الخير على الشر.

الكتاب وجيل التكنولوجيا

ومع التطور التكنولوجي وانصهار المجتمعات في العالم الرقمي، انحسر الإقبال على الكتاب، الأمر الذي جعل بعض دور النشر الغربية في فترة من الفترات تعيد النظر بما تنشره، وبلغت المسألة حد الإغلاق، لكن بشكل أو بآخر تعافى هذا المجال، وعاد الأطفال واليافعون إلى القراءة وفقا لنمر.

أما عربيا وفلسطينيا، فترى الكاتبة أننا ما زلنا نواجه هذه المشكلة، التي ليست تماما مع الوسائل الحديثة إنما بالقراءة عموما، تقول نمر: "نحن أناس لا نقرأ، بغض النظر عن التكنولوجيا أو غيرها".

وترى الكاتبة أنه بعد الاحتلال وأوسلو، بدأ الكتاب فقد قيمته، سيما وأن الكتب المدرسية ساهمت في تهريب الأطفال، كما أن الأهل لم يتعاونوا على تشجيع أبنائهم على القراءة بسبب انشغالهم في مطحنة الوضع الاقتصادي، الذي حولهم إلى أناس يبحثون عن لقمة العيش على مدار الساعة، وبهذا المعنى لا يمكن إلقاء اللوم على عاتق جهة معينة، إنما يكون الجميع مشاركا في هذه الجريمة كما وصفتها.

وعليه؛ تشكل هذه التحولات تحديا أمام الكاتب، وترغمه على تحسين عمله، وعلى الإبداع لجذب القراء، الشغوفين، لكنهم بحاجة إلى تشجيع وطرق مختلفة تجمعهم بالكتاب، وفقا لنمر.

ترى نمر أن أدب الأطفال واليافعين العربي في الخمسة عشر سنة الأخيرة بخير، إذ بدأت المؤسسات في العالم العربي، بطرحه بجودة عالية من ناحية الموضوعات، والرسومات والإخراج أيضا، رغم قلة الكتاب وانخراطهم فيه بتواضع، إلا أن شوطا طويلا قطع في هذا المجال. أما مستقبلا، فيصعب التنبؤ بالأمر، لكن وفقا للمعطيات الحالية يجب أن يتطور.

في البدء كانت القصة

وترجع الكاتبة السبب في خلود القصة إلى بدايتها، إذ أن البشر استخدموها كأداة أولى للتعبير، من خلال الرسم على الكهوف مرورا بتطورات مختلفة، وصولا إلى القصص التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يفسر ميول العقل البشري إلى التعلق بالقصص.

واستدلالا على هذا استشهدت نمر بتجربة علمية أجريت على أربعين طالبا وضعت أمامهم أشكال هندسية وطلب منهم التعبير عما يرونه، فكانت النتيجة أن سبعة وثلاثين منهم وضعوها في قالب قصصي وثلاثة فقط أشاروا إلى الأشكال الهندسية باسمها فقط.