تدوين- تغطيات
في لقاء عقدته مؤسسة محمود درويش أمس السبت، مع الفنان الفلسطيني المقيم في الأردن، محمد الجالوس، ضمن برنامج مبدع في حضرة درويش، قدم الجالوس شهادة تحدث فيها عن "لماذا يرسم، وكيف يرسم، ولمن يرسم"، بهدف اطلاع الحضور على الآلية التي يفكر بها الفنان التشكيلي.
لقد مرت لوحات الجالوس بمحطات مختلفة، ظل دائما يربطها إيمان كبير بالتجريد كمقترح بصري، وظل التجريد من وجهة نظره هو الدخول الدائم للطبيعة كمرجع، كان يمارسها بنشوة الاكتشاف وإن نهم هذا البحث وجوها، بحسب ما قاله في شهادته.
بدأت لوحات الفنان فترة الثمانينات بالتخطيط، ثم تحولت إلى بقعة لونية في خطوط عابرة في معارضه الثلاثة ما قبل الأخيرة، وصولا إلى عام 2010.
وعن الوجوه في لوحاته قال الجالوس إنها "احتفظت بطاقاتها التعبيرية الاجتماعية من حيث أنها مرجع وكنز بقي يلازمني منذ الطفولة، وجوه لأناس أعرفهم وملامح تقاوم النسيان وتعبر به ذواتها بل وتلزمني الإبقاء عليها كما هي بتفاصيلها وغموضها وأحيانا قسوة ملامحها".
وفي المغامرة المكشوفة كما وصفها الفنان، كان يتساءل بينه وبين نفسه ومع من حوله بقليل من الكلام وكثير من اللون "كيف لي أن أتخلص من ذاكرتي وكيف لي ألا أحاصر هذه الوجوه في مربع الشك ومربع الدهشة؟".
إلا أن الذاكرة لم تتخلص منه، وحاولت أن تكشف ما بداخله بعيونها المغمضة وتقول دواخلها دون استئذان، يقول الجالوس: "هذه الوجوه هي ذاتها التي دفعت لي إلى أتون قسوة السطح الخشن، حتى أنها تنازلت عن ملامحها ودخلت في دائرة البصري البحت، مربع التجريد، دون أن تفقد سطوتها على العين، فهي حاضرة في غيابها تحاصرها ضربات السكين".
وبعدما غادرت لوحاته مرحلة الوجوه، التي عرفها منذ أيام مخيم الوحدات الذي ولد فيه لعائلة مهجرة من قرية قزازة قضاء الرملة، ظلت دائما حاضرة، حتى بعدما انطلقت اللوحات إلى عوالم أخرى كان فيها السطح هاجسه ومحط بحثه الذي استمر لعقود ولعله يسكنه إلى الآن.
عاش الجالوس لعقدين من الزمن في بيئة خشنة، كانت فيها الجدران خشنة، والشوارع ضيقة، والأزقة هي الأخرى خشنة، كان وأبناء جيله سعداء في ذلك، وكان مصدر سعادتهم أنهم قابضون على حلم العودة الذي لم يفرطوا به رغم النكسات وتغير البوصلة، حيث تعلموا في مدارس وكالة الغوث أن فلسطين تنتظر أبناءها وأن وجودهم في المخيم وجود مؤقت، أمور تعلموها على أيدي معلمين آمنوا بهذه الحتمية.
كان التعليم آنذاك وفقا للجالوس في هذا السياق، فهما عميقا لمعنى النضال فالمعلم في فترة المخيم، كان مناضلا أو هكذا يرى نفسه.
انتقل الفنان التشكيلي عبر شهادته إلى معرض "شجن مجرد" الذي أقامه عام 2007، وعنه قال إنه اقترح فيه منظورا لغياب الملامح تحيل التعبير إلى بصري، وتحيل البصري إلى مشهد من الطبيعة الأم، التي هي الأمل وحاملة الأسرار، أي أسرار المادة تلك التي عمل بها وعليها منذ أكثر من أربعة عقود وما يزال.
أما اللوحة، صديقته التي غالبا ما يتصالح معها فتأخذه إلى مناطقها هي، بل وتستدرجه إلى عالمها حين يستسلم راغبا إلى حركة يده أو عناد فرشاته فتأتي الألوان طازجة ومحملة على جناح العاطفة الجياشة، بينه وبينها علاقة ظلت محفوفة بالقلق ونزعة التجريد وغياب الرضا، يقول الجالوس عن هذا: "كل هذه السنوات لم تمنح لي اليقين ربما بما رسمت أو بلوغ ما أحلم به".
تأثر الجالوس في بداياته بالرسم، في المدرسة العراقية، وكان مأخوذا بأعمال ضياء الغزاوي حد التقليد، حتى أنه التبس الأمر على ضياء حين زاره في بداية الثمانينيات في بيته، الأمر الذي دفعه إلى التفكير فيما يرسم، والبحث عن "أناه" البصرية بعيدا عن صرامة التصميم وغلبة اللون الصريح في لوحات الغزاوي.
صدر للجالوس مجموعة قصصية بعنوان "ذاكرة الصيف"، كما واستخدمت المئات من رسوماته كرسومات داخلية لإنتاجات أصدقائه الأدبية من شعر وقصة، كان ذلك في فترة أوائل الثمانينيات.
وبعد هذه المرحلة تحولت تجربته إلى لونية كاملة، ذاهبا باتجاه المشهد الطبيعي كما حدث في لوحات بيوت الفحيص ثم السلط والقدس ونابلس والقصر، فكانت هذه المرحلة بالنسبة له مصالحة وحنين للمكان، ووفاء لأماكن في القلب تربطه بها ذكريات حلوة وتوثيق.
لمتابعة اللقاء كاملا