الخميس  21 تشرين الثاني 2024

فرقة الفنون الشعبية وأسئلة حول الثقافة والجمهور

2023-08-28 11:22:25 AM
فرقة الفنون الشعبية وأسئلة حول الثقافة والجمهور
جانب من عرض طلات فنونية

تدوين- سوار عبد ربه 

تنفرد فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية في قدرتها على اجتذاب جمهور تعج فيه صالة العرض، سمته الأبرز أنه يضم كافة الفئات العمرية، بخلاف الفعاليات الثقافية الأخرى؛ التي تكون شبه خالية من الجمهور أو التي تقتصر على وجوه معينة تتكرر هنا وهناك، الأمر الذي يستحق وقفة للسؤال عن نوع الفعاليات التي يحبها الجمهور، ويتفاعل معها في فترة زمنية يكون فيها المشهد الثقافي في أوجه، مقابل شبه انعدام جماهيري، تعود أسبابه؛ إلى فجوة بدت واضحة بين صناع الثقافة والعامة من جهة، والمثقفين والثقافة نفسها من جهة أخرى، مسألتين بحاجة إلى خطة علاجية تنهض بالمشهد الثقافي الفلسطيني من جديد، وتعاود تعريف العلاقة بين المثقف والمجتمع، وشكل الثقافة التي نريد أو على الأقل التي يريدها المهتمون بهذا القطاع، صناعا ومتلقين.

في السادس والعشرين من آب 2023، قدمت فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية التي تأسست عام 1979، في قصر رام الله الثقافي، عرضا جاء بعنوان "طلات فنونية"، اشتمل على مزيج من لوحات راقصة، بعضها من العمل الفني الأخير للفرقة "أشيرة"، ولوحات صممت حديثا أهدتها الفرقة إلى الأسرى الفلسطينيين كافة في سجون الاحتلال، كما خصصت الفرقة مجموعة لوحات راقصة مهداة إلى الأسير المفكر وليد دقة، وكذلك لوحة للشهيدة شيرين أبو عاقلة تخليدا لذكراها.

مزج العرض الذي استمر لنحو ساعة بين الرقص الفولكلوري والمعاصر، وبين العرض الأخير، وما قبله -أي عرض أشيرة الذي جرى قبل أشهر احتفاءً بمرور 44 عاما على تأسيس الفرقة-، بدا الجمهور أقل تفاعلا إذا ما قارنا العرضين الأقرب من الناحية الزمنية ببعضهما، باستثناء تفاعل بسيط ظهر في الرقصات التي عبرت عن حالة فرح تجلت في أغاني العرس الفلسطيني، وابتسامات الراقصين في حينها، والتي كانت لافتة للنظر واستحوذت على تمتمات الجمهور، الذي لامس هذا الفرح على وجوه المؤدين، فكانت تلك الفقرة، أكثر ما عبر عن تماهٍ بين هاتين الوحدتين أي الفرقة والجمهور في لحظة فرح لافتة ظهرت ابتسامة وتصفيقا وصراخا.

أما الفقرات المأخوذة من عرض أشيرة، فكانت هي الأخرى محط تفاعل، بخلاف فقرتي الأسير وليد دقة، والشهيدة شيرين أبو عاقلة. رغم أن هذين الاسمين وما يحملانه من قضايا وطنية أساسية تشغل الهم الوطني العام، حظيا باهتمام بالغ في قضيتهم على المستوى الشعبي، إلا أن هذا لم يظهر من الناحية التفاعلية مع العروض المهداة لكليهما. قد يفسر هذا بتعطش الناس لما يدخل الفرح على قلوبهم، بمعزل عن الوضع السياسي القائم وهمومه التي لا تنتهي، والحزن المكرر الذي يشكل الثيمة الغالبة على الخطاب الثقافي، وهذا المدخل يقودنا إلى السؤال الأول عن شكل الثقافة التي نريد، والتي تترجم ماديا إلى فعاليات شرط نجاحها التواجد الجماهيري أولا، ومقومات أدائية تدفع باتجاه التفاعل الذي يحقق الاندماج بين العناصر كلها ثانيا.

على أية حال، تبقى هذه المسألة أكثر تعقيدا من أن تطرح عبر سؤال أو مقال، سيما وأن مسألة الإيقاع ونوع الرقص المؤدى بين لوحة وأخرى تلعب دورها هي الأخرى في مدى تجاوب الجمهور مع العرض، وبإطلالة سريعة على هذا الجانب، كان لافتا أن أغاني الفرقة الخاصة ذات الإيقاع السريع والمعاصر حظيت بحماس أكبر من نظيرتها الشعبية كلمة ولحنا من جهة، وأغاني فنانين آخرين من جهة أخرى مثل "إن رحل صوتي"، و"منتصب القامة أمشي".

وإذا ما نظرنا إلى العرض الذي قدمته فرقة الفنون الشعبية بنزعه من هذا السياق، ودون تحميله عبء الإشكاليات المطروحة، والتي بكل تأكيد لا يتحمل مسؤوليتها أفراد أو جهات بعينها، يمكن النظر إلى الفرقة ككل بعين الرضا، ويحسب لها قدرتها على استقطاب هذا الكم الجماهيري، وحفاظها على الاستقلالية ودورها في حماية الموروث الشعبي ومواكبة روح العصر ومتطلباته، أدائيا وتقنيا على حد سواء.