تدوين- آراء ومدونات
كتبتها: ماريون قواس
ترجمة: مروان عمرو
نشرت في : Mondoweiss
توفيت حماتي مؤخرًا عن عمر يناهز 97 عامًا محاطة بعائلتها الممتدة. يغادرنا جيلها، وإرثه التاريخي المهم، بسرعة. وأية جهود نبذلها لتسجيل قصصهم، وبأي شكل من الأشكال، لسوف تساهم في إبقاء هذا الجزء من التاريخ الفلسطيني حيًا. وبهذه الروح، إليكم لمحات من قصة جميلة.
لقد كانت هي التي عرفتني على الحياة والثقافة العائلية الفلسطينية. التقيتها لأول مرة في بيروت عام 1974 عندما جاءت لزيارة ولديها، اللذين كنت على وشك الزواج من أحدهما. أحضرت لها معمول التمر والجوز المصنوع منزليًا والمرشوش بالسكر البودرة، وكانت تلك بداية علاقة طويلة.
لقد مثلت معظم الفلسطينيين من جيلها، فقد هجرت مرتين على يد القوات الصهيونية، أولاً من يافا خلال النكبة، ثم أُجبرت اقتصاديًا على مغادرة الضفة الغربية بعد النكسة عام 1967. كان لديها ثمانية أطفال والعديد من الأحفاد وأبناء الأحفاد المتفرقين في العديد من البلدان. وعلى الرغم من أنها لم تتلق الكثير من التعليم الرسمي، إلا أنها كانت مصرة على أن يتلقى جميع أطفالها تعليمًا مناسبًا.
إن المأساة الكبرى لجميع الفلسطينيين في المنفى هي أنهم محرومون من حقهم في أن يدفنوا في تراب فلسطين، ولا يسمح لهم بالموت بكرامة في وطنهم.
ولدت [حماتي] عام 1926، وكانت أول تجربة مروعة لها مع المستعمرين الصهاينة خلال التطهير العرقي في يافا عام 1948، قبل إنشاء دولة إسرائيل (بينما كان من المفترض أن الفلسطينيين كانوا لا يزالون تحت "حماية" الانتداب البريطاني). لقد كانت هناك مع والد زوجي بسبب جدول عمله؛ وعندما هاجمت الميليشيات الصهيونية كانت حاملاً في ذلك الوقت وتتذكر كيف فرت مع تطاير الرصاص فوق رؤوسهم.
وبحسب ما ذكره سلمان أبو ستة، المؤرخ الفلسطيني الشهير، في مقالته “المجازر كسلاح للتطهير العرقي خلال النكبة”.
“منذ 1 أبريل إلى 14 مايو 1948، قبل إعلان دولة المستوطنين وقبل مغادرة البريطانيين وقبل أن يدخل أي جندي عربي فلسطين لإنقاذها، احتل الغزو الصهيوني فلسطين بشكل أساسي. وكان إعلانها في 14 مايو بمثابة تتويج لهذا الغزو.
"في منطقة يافا (المنطقة 4)، كان هناك تركيز كبير للفظائع في مدينة يافا (المنطقة 8) وحول يافا (المنقطة 6) في بيت دجن... مدينة يافا، التي تم تحديدها لتكون في "الدولة العربية"، تم إخلاء سكانها بالإضافة إلى اثنين وعشرين قرية في المنطقة."
ثم استقر الزوجان الشابان في بيت لحم، في بيت الأجداد. لقد قاموا بتربية أطفالهم الثمانية، ومثل جميع الفلسطينيين، بذلوا قصارى جهدهم لبناء ما يشبه البيئة الأسرية الطبيعية.
لكن الصهيونية كانت لها خطط أخرى.
مع العدوان العسكري عام 1967 والضغوط العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية اللاحقة، انضمت العائلة إلى صف اللاجئين الذين يعبرون الجسر إلى الأردن. تلك الصور التي ربما رأيتموها لصغار وكبار على جسر "اللنبي"، وهم يحملون أطفالاً صغاراً ويمسكون بممتلكاتهم... تلك كانت تجربتهم الحياتية.
مارس الأردن ضغوطًا مختلفة على اللاجئين الفلسطينيين، كما حدث في جميع أنحاء الشتات. وعلى الرغم من أن العديد من الفلسطينيين في الأردن حصلوا على الجنسية ويشكلون نسبة كبيرة من سكان البلاد، إلا أن ذلك لم يترجم بالضرورة إلى دعم فعال للنضال الفلسطيني. لم تكن الأنظمة العربية مهتمة كثيراً بتعزيز النضال التحرري التقدمي، الذي كان يحمل بطبيعته تهديدات لسلطاتها الديكتاتورية؛ في الواقع، فإن العديد من هذه الأنظمة قد ساعدت تاريخياً الحركة الصهيونية.
كان هجوم أيلول الأسود الذي شنته القوات الأردنية على المقاومة الفلسطينية في 1970-1971 مجرد مثال واحد، وهو العدوان الذي مس حماتي مرة أخرى. وأصيبت خلال تلك الفترة بجراح في رقبتها، أثناء سفرها مع ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات في محاولة لزيارة أقاربها.
واجه جيلها صدمة لا تصدق وسلبًا. ومع القليل من الدعم أو عدمه، وبعد أن تخلت عنهم الأنظمة العربية والمجتمع الدولي، ثابروا رغم ذلك. لقد نجحوا في تربية أجيال متعاقبة من الفلسطينيين الذين ظلوا متمسكين بأرضهم، وثقافتهم، وهويتهم الوطنية. هذا هو الإرث الحقيقي للناجين من النكبة – حقيقة أن أحفاد أحفادهم ما زالوا يقاتلون ويحلمون بفلسطين حرة.