تدوين- آراء ومدونات
بقلم: أسمى وزوز
عن دار بعل للدراسات والنشر بدمشق بالتعاون مع أكاديمية دار الثقافة في بيروت؛ صدرت في دمشق مجموعة نصوص أدبية بعنوان (أوراق من المنفى) للكاتب الفلسطيني محمد حسين، تحتوي المجموعة على ستة وتسعون نصاً، تنوعت ما بين الوطني والاجتماعي والعاطفي، وقدمت للمجموعة الكاتبة الفلسطينية أسمى وزوز، حيث احتوت المجموعة على قراءات، للكاتب والناقد العراقي عقيل هاشم والناقدة والكاتبة بديعة النعيمي من الأردن بالإضافة إلى الشاعر محمد عيسى مدير دار بعل السورية.
لوحة الغلاف للفنانة التشكيلية الفلسطينية منال مصلح.. تصميم الغلاف الأستاذ حاتم قاسم.
تقديم..
على أرصفة المنافي تكتب الرّسائل بلا ساعي بريدٍ يحملها، وتبقى مخبّأة ومعلّقة على جدار الحلم مع تلك المفاتيح لأبواب الوطن الذي لم يغب من نصوص الكاتب محمد حسين في مجموعته (أوراق من المنفى) التي جسّدت وطنه المنتظر بعد رحيل المنافي وغيابها وعودة الحالمين الذين قبضوا على زمن الغياب؛ كي يموت، وهم باقون وخالدون بخلوده فيهم.
لقد أدهشني الكاتب بهذه النّصوص الجداريّة التي رسمت الوجع، وذاكرة الزّعتر، وزهرة الصّبار، والرّصيف الحائر، وحقائب السّنين، وحكايات الفجر المجدول من تراب الوطن، وقد رسمها كلوحاتٍ حملت ألوان التّراب، ورائحة أوراق التّين، وحزن المغيب عندما يلوّح للوطن بيديه المرتجفة ببرد الغربة وصقيع المنافي.
التوتة باقية، والدّالية ما زالت تعانق حبّات عنب الانتظار لمن هُجّروا وتركوا أحلامهم مشنوقة على أبواب الغياب، ولكنّ محمد حسين أعاد لنا الحلمَ في لوحاته هذه، أعاد لنا الموانئ والشّراع والأبواب التي كانت مغلقةً من صدئها.
وقد استطاع الكاتب بمجموعته الموسومة "أوراق من المنفى" أن يوظّف صوت الرّوح والمنفى والوجع والحلم والرّصيف والزّعتر في تقنيّاتٍ وأساليبَ متنوّعةٍ من أعلى مستويات الكتابة التي توصف بالسّهل الممتنع من رمزيّة تُدخل النّفس في تأويلاتٍ يفهمها كلّ قارئ بمنحناه الخاصّ، فضلًا عن التّشبيهات البليغة والضّمنيّة والمركّبة والاستعارات الفنيّة اللّافتة في معظم هذه النّصوص النّثريّة ذات الطابع الشّعريّ العالي، وكما قال أرسطو "فكلّ الفنون ضربٌ من الشّعر".
والذي ميّز هذه النّصوص براعة الكاتب في أخذ القارئ وتماهيه في الولوج في مشاهد دراميّة عبر المنفى ووجعه وأرصفته وأزقّته، وحكايا التّوت والزّيتون والدّالية والفجر ومغيب الانتظار مع الحلم الكبير والأمل الخالد بخلود هذا الوطن.
وقد اختزل كلّ ذلك بمدلولاته التي تنتمي بشكلٍ مباشر لأوجاع من رحلوا وغابت الشًمس عن عيونهم وهم يحملون الحقائب وبأيديهم مفاتيح الأبواب.
لم تكن تجربة الكاتب الخاصّة بل هي قصص كلّ فلسطينيٍّ حمل الوطن بين ضلوعه وجلس يرقب شعاع الشّمس ليموت جليد المنافي فيه.
والمجموعة امتازت باللّغة الرّومانسيّة الشّفيفة الصّادقة التي حملت البوح الجمعيّ، والتي عبّرت عن ذاك الحزن العميق، والأمل الذي يسانده بالعودة للذّات الفلسطينيّة التي رُسِمت على ملامحها خطوط الغربة بتراتيل الغياب حينًا، وبحلم الرّجوع وصوت المآذن وأجراس الكنائس في حينٍ آخر.
وقد اتّضح ذلك في مدلولات الكاتب في نصوصه (سفر، مغيب، رصيف، هذيان، طوفان، زهر الصّبار، صرخة) إلى أن كانت أوراقًا في المنفى تحكي حكايات شعبٍ شُرِّد وعانى وحمل نزفه فيه، ودمل جراحه، وصمت عن وجعه حتّى باحت الأوراق.
وفي نهاية المطاف، أرجو للكاتب الفلسطينيّ محمد حسين الذي يعد بالكثير مزيدًا من الألق والإبداع.