تدوين- تغطيات
عقد أمس في متحف محمود درويش برام الله، ندوة بعنوان "قراءة جديدة في رواية "الصوفي والقصر" وتجربة أحمد رفيق عوض الروائية" قدم فيها كل من د. متوكل طه وأ. فراس حج محمد مداخلات حول رواية "الصوفي والقصر"، ومجمل أعمال أحمد رفيق عوض الروائية.
وقال الشاعر المتوكل طه في مداخلته إن الروائي أحمد رفيق عوض أغنى المكتبة الفلسطينية بأعمال روائية ومسرحية، بالإضافة إلى منتجات فكرية وسياسية وإعلامية، إلا أنه مثله مثل العديد من الكتّاب لم يأخذ حقه، ولم يشع أو يسطع.
قدر لأحمد رفيق عوض أن يبدأ مسيرته الإبداعية مع أوسلو، وهي المرحلة التي هشم فيها المتحكم بالخطاب السياسي والوطني والاجتماعي والثقافي والاقتصادي السائد في مرحلة ما قبل أوسلو، وجعل البعض يتطاول على المقدس الوطني والثقافي والفكري، وفقا للمتوكل طه. ما يعني أن رفيف عوض، بدأ مسيرته الإبداعية في مواجهة أسئلة الانخراط والتحلل والتشظي.
وبحسب الشاعر، تمكن عوض من مواجهة هذه التحديات بالنبوءة التي هي واحدة من ثيمات الكتابة عنده، وبالتجاوز أيضا، لأنه أدرك أن مهمة الكاتب في هذه الحالة تصبح ألا يقر أي واقع مهما كان إيجابيا لأنه بالضرورة سيكون فيه ثغرات، وعليه أن يحلم بمجتمع أكثر تقدما وعافية واكتمالا.
ويرى المتوكل طه أن عوض بدا من خلال أعماله منتبها للانهيار القادم، وكان يعالجه فكريا ويضع النهايات التي ينبغي لها أن تكون.
أما الثيمة الثانية لأعمال عوض، فهي الفنتازيا وهي أسلوب قديم لديه، إذ كان يحاول بهذه الطريقة أن يقول إن الواقع أكثر غرابة وصدمة وفظاعة من الخيال، بحسب الشاعر.
ويرى المتوكل طه أن الكاتب أحمد رفيق عوض عمل على تفكيك البنى الثقافية والسياسية للأنا الفلسطينية والعربية وعلاقتها بالآخر المحتل. فهو من القلائل الذين تنبهوا إلى أن الاحتلال بكل امتداداته، لا ينبغي له أن يصبح أخا عدوا أو شريكا ممكنا، وهذا بالالتفات إلى تلك الأنا وكيف تندفع بشكل مباشر أو غير مباشر لهذا النقيض الذي يريدون تحويله إلى صديق وشريك.
أما أهم ما يميز أعمال أحمد رفيق عوض، وفقا للشاعر هو ركونه إلى الدين، الذي اعتبره المتوكل ركونا إلى الدين الحقيقي وليس المصنع والمزيف والملوث ولا الذي يهجس بالسياسة، بل الدين القويم الصافي الذي هجرته إلى الله، وهذا من إيمانه بأن الدين هو الوحيد القادر على تقديم الإجابات النهائية للخروج من أزمة الأمة.
ولأحمد رفيق عوض مجموعة أعمال أدبية، عرج المتوكل طه في مداخلته على مجملها واصفا رواية "العذراء والقرية (1992)" أنها كانت مقاربة للانهيار الداخلي أمام المحتل بعد ما اعترضت الانتفاضة الأولى باتفاق أوسلو. أما رواية " قدرون (1996)" هي مقاربة التغيير الاجتماعي والاقتصادي تحت الاحتلال، ورواية "مقامات العشاق والتجار (1997)" هي مقاربة التشكل السياسي الملفّق وغير الناضج، ورواية "آخر القرن (1999)" هي سخرية من النتاج الكلي لعملية سياسية ظالمة ومهزومة. ورواية "القرمطي (2001)" هي محاولة العودة إلى المعايير الأولى والبحث عن محركات التاريخ، أما رواية "عكا والملوك (2003)" هي عودة إلى مقاربات الأنا أي الداخل الثقافي والروحي، ورواية " بلاد البحر (2006)" هي ذروة البحث عن العديد من الأفكار في الروايات السابقة، وأخيرا رواية " الحياة كما ينبغي" وهي آخر إصداراته، تبعث الأمل والنار الساطعة في رماد الجمر الساكن عبر رموز شديدة الحضور والواقعية.
أما رواية " الصوفي والقصر" وهي التي تمحورت حولها الندوةـ، هي الصورة المتكررة للأمة في القرن السادس الهجري، تلك التي تستطيع العودة رغم كل شيء.
من جانبه، قال الناقد والكاتب فراس حج محمد أن أحمد رفيق عوض هو علامة من علامات الرواية الفلسطينية الحديثة لاعتبارات كثيرة أدبية، وأخرى مرتبطة بالأفكار التي يقدمها والمساحات التي يخوضها، كما أنه الأسبق في كتابة الرواية التاريخية، وهو العلامة الحقيقية التي أوغلت في التاريخ، يليه الكاتب إبراهيم نصر الله، وباسم خندقجي في رواية من رواياته.
وفيما يتعلق برواية "الصوفي والقصر"، اعتبر الحج محمد أنها ليست بعيدة عن شخصية كاتبها في أمرين، الأول الهم السياسي، والثاني صورة المثقف المختلف، فالكاتب في هذه الرواية رسم صورة للمثقف، وهي أنه عالم وعارف ومتصل بالله، ولا يخاف، ومستعد للقتال وقاتل، وكأنه يردنا إلى صورة الفدائي المثقف الذي حمل السلاح في بيروت. فالمثقف ليس هو قارئ الكتب، ولا مؤلفها، لأن المثقف ليست مهمته القراءة، إنما عدته من أجل أن يؤدي مهمته أن يقرأ وأن يؤلف، فالتأليف هي أداة من أدوات المثقف وليس هذا عمله، إنما عمله التغيير والسعي له، وفضح الواقع.
وإلى جانب الأمرين السابقين، نجح عوض في تقديم صورة مختلفة تماما للصوفي الذي نعرف، أي المنعزل الذي ليس له علاقة بالحياة.
وما يميز كتبات أحمد رفيق عوض بحسب الحج محمد أنه يستطيع أن يجعل القارئ يتخيل، هذا لأنه لا يقحم الأمور اقحاما إنما تنظمها نوع من الاقناع والمنطقية، حتى وهو يعرف التاريخ.
لمتابعة الندوة كاملة