الأحد  22 كانون الأول 2024

من طوفان الأقصى إلى طوفان العالم: الحراك التضامني مع فلسطين- فيروز سلامة

2024-02-07 01:56:10 AM
من طوفان الأقصى إلى طوفان العالم: الحراك التضامني مع فلسطين- فيروز سلامة
مظاهرة في لندن دعما للفلسطينيين وللمطالبة بوقف دائم لإطلاق النار، 25 نوفمبر 2023. © رويترز

تدوين- ثقافات 

تقديم:

بعد بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وبدء الحرب الصهيونية بالقصف المكثف على قطاع غزة دون استثناء لا لمدنيين أو مباني أو بنى تحتية؛ انطلقت عدة مسيرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن العالم دعماً لعدالة القضية الفلسطينية ورفضاً للوحشية الصهيونية. وقد تمثلت هذه المسيرات بكونها شكلت مسار حراكي تضامني ما زال يتحرك لليوم الثلاثين على استمرار المعركة ولم تكن مجرد مسيرات مؤقتة خرجت وتوقفت، فالمتابع بشكل يومي لمسار الحرب الحالية يشاهد المسيرات التضامنية المستمرة في كل مكان.

بطائرات شراعية ودراجات بدأت المقاومة عملية طوفان الأقصى

تهدف هذه المادة إلى قراءة تداعيات ونتائج معركة طوفان الأقصى على موقعية القضية الفلسطينية عبر قراءة مسار الحراك التضامني الذي تشكل في المنطقة العربية ودول العالم دعماً واسناداً لفلسطين وشعبها في مواجهتهم للكيان الصهيوني وحلفاؤه في المحور الأطلسي الغربي، الذي سارع لدعم "اسرائيل" التي بدأت بدورها بعد فشلها في مواجهة انتصار المقاومة الفلسطينية، إلى حرب إبادة على قطاع غزة بالقصف والتدمير والقتل العشوائي والمستمر وقطع ومنع كل الإمدادات والاحتياجات الأساسية عن سكان القطاع من ماء وكهرباء ومستلزمات طبية.

عودة إلى البداية: فلسطين مستعمَرة و"إسرائيل الصهيونية" ليست دولة بل استعمار احتلالي:

بعد مرحلة العبور وتحقيق المقاومة الفلسطينية فِعل انتصارها بتحطيم وهم "الحدود الأمنية" واستحالة تجاوزها، بدأت ماكنة القتل الصهيونية بقصف قطاع غزة واستهداف سكان قطاع غزة والمباني السكنية وتدمير البنية التحتية وكل شيء؛ فحتى المستشفيات لم تسلم من القصف الصهيوني فتم قصف مستشفى المعمداني؛ وعليه لم يسلم بناء ولا حجر ولا بشر داخل القطاع من القصف العشوائي من ناحية والموجه من ناحية أخرى في محاولة " اسرائيل الصهيونية" البحث عن نصر وهمي لها مقابل فِعل المقاومة الذي كسر صورتها.

صورة ملتقطة عبر الأقمار الصناعية في 18 تشرين الأول تظهر آثار الغارات الصهيونية على مستشفى المعمداني

في ظل حرب الإبادة التي فتحتها نيران الصهيونية على قطاع غزة، كان التحرك في المنطقة العربية والعالم بأجمعه يسير بدعم واسناد للقضية الفلسطينية ودعماً للمقاومة الفلسطينية من ناحية ودعوات لفك الحصار وحماية سكان قطاع غزة من صواريخ العدو الصهيوني. فبعد صحوة العالم على عودة فلسطين للواجهة مرة أخرى عبر دماء أهالي قطاع غزة الذين أصبحوا بنك الأهداف عقب السابع من أكتوبر بدأت المسيرات والاحتجاجات ودعوات الغضب تخرج في كل الشوارع رفضاً للحرب الصهيونية وحلفاؤها في العالم الغربي وما يتم تقديمه لهم من دعم غربي ضد الفلسطينيين المستعمَرين. فعقدة الصهيوني الغربي بأحقيته بالقتل وسفك الدماء وما حاولت الماكينة الإعلامية المرتبطة بهذه العقدة من بثه وتعبئته ضمن خطابها الإعلامي بأنهم " ضحية" وأنهم " تعرضوا "للهجوم"، إلا أن زمن النصر الصهيوني بدأ يتلاشى ويتفكك في مختلف جبهاته التي زرعها داخل المنطقة العربية عبر مشاريع التطبيع في محاولة لتطبيع وجود "إسرائيل الصهيونية" وفي دول العالم من أجل تطبيع الوجود الصهيوني "كدولة طبيعية".

وقد تمثلت صورة هذا التلاشي وتفككه من خلال مسارات الحراك العالمي التضامني الذي خرجت به الشعوب إلى الشوارع رفضاً للحرب الصهيونية ونزع الشرعية عن فعلها او محاولات تبريرها، فلم يكن مسار الحراك التضامني مجرد مسيرات تنديد مؤقتة أو ليوم واحد فقط أو مرتكزة على مكان واحد، بل توسعت لتخرج من داخل الدول العربية ومن ثم لدول العالم بشكل مستمر ومنظم رفضاً للفعل الصهيوني بقتل الفلسطينيين في قطاع غزة واستهدافهم بشكل متكرر، وعمل هذا الحشد بدوره على ترتيب الخطاب والرواية الإعلامية التي نسجت ورتبت محتواها من رفض حرب الإبادة التي يواجهها قطاع غزة وتفنيد للرواية الصهيونية ومواجهتها رغم الدعم الذي تتمتع به حكومة العدو من حكومات الدول الغربية.

 إلا أنه عند الحديث عن الحراك التضامني ومسار في مختلف المسيرات الشعبية والحاشدة يجب فصله عن مستوى السياسات الغربية الكبرى التي تقدم وفق منطقها الدعم "لإسرائيل الصهيونية"، ويأتي هذا الفصل من أجل التوضيح بين مستويين عرضهما الحراك العالمي التضامني مع الفلسطينيين وهما: مستوى الحكومات المرتبطة بسياساتها بدعم "اسرائيل" بمختلف أشكال الدعم سواء الحكومات الدول الغربية او الحكومات العربية، والمستوى الثاني هو موقف الشعوب ودورها وفاعليتها، فالحديث عن حراك عالمي تضامني هو حديث عن مستوى الشعوب التي خرجت بأجسادها وصوتها في الساحات والشوارع رفضاً لحرب الإبادة الصهيونية وهذا الرفض الشعبي هو الذي يعبر عن موقعية كل من  دولة فلسطين المستعمَرة و "الكيان الصهيوني في العالم". فقراءة حراك الشعوب التضامني أعاد ترتيب هذه الموقعيات: فلسطين أولاً بعودتها كقضية مركزية في الصراع العالمي والعربي وكون فلسطين مستعمَرة لم يتحرر شعبها بعد، و"اسرائيل الصهيونية" هي تشكيل غير مقبول وغير مدعوم شعبياً؛ كونها دولة استعمار واحتلال لا دولة طبيعية، وبناءً على التضامن ومستواه وحجمه عادت "اسرائيل" إلى أسفل السلم عالمياً مرة أخرى وأعيدت فلسطين لمكانها وحجمها النابع من كونها قضية عدالة وبحث عن حرية وتحرر.

الحديث عن حراك عالمي تضامني هو حديث عن مستوى الشعوب التي خرجت بأجسادها وصوتها في الساحات والشوارع رفضاً لحرب الإبادة الصهيونية وهذا الرفض الشعبي هو الذي يعبر عن موقعية كل من  دولة فلسطين المستعمَرة و "الكيان الصهيوني في العالم

في الدول العربية خرجت كل من شعوب العالم العربي في مصر وتونس والجزائر واليمن والعراق والبحرين والأردن ولبنان وسوريا، وكان تحرك الشعوب العربية عودة إلى البداية لرفض الصهيونية ورفض الاستعمار الغربي والدعم الأمريكي، فمن بغداد والمسيرات التي خرجت منها كانت الهتافات " كلا كلا للاحتلال" و"كلا كلا أميركا" و"كلا كلا إسرائيل"، وقد تمت عنونة المسيرات التي خرجت تضامناً ودعماً واسناداً لفلسطين ورفضاً لحرب الإبادة على قطاع غزة باعتبارها مسيرات تضامنية تحديداً أيام الجمعة دون باقي أيام الأسبوع بــِ " جمعة موحدة لقضية مقدسة" و"جمعة طوفان الأقصى."

عراقيون نظموا مظاهرة حاشدة تندد بالعدوان على غزة

ولم تقتصر تحركات الدعم على الدول العربية وإنما تعدتها إلى باقي دول العالم: في تركيا، والولايات المتحدة الامريكية في مختلف الولايات بداخلها، والدول الأوروبية وأندونيسية وايران ودول القارة الآسيوية وفي بعض دول افريقيا ودول أميركا الجنوبية. امتد الحراك العالمي التضامني ليصل إلى معظم دول العالم بمشهد مسيرات حاشدة يمثل خطها صوت الشعوب الحرة وذلك بحثاً عن معنى الإنسانية ضمن عدالة القضية الفلسطينية وأحقية الفلسطيني بأرضه مقابل الصهيوني المحتل. وما يميز مسيرات الدول الغربية وتحديداً في فرنسا وبريطانيا هو خروج المسيرات بأعداد كبيرة رغم فرض الحكومات فيها غرامات ومخالفات بحق من يدعم قطاع غزة سواء بالنشر الإعلامي أو وجود موقف داعم ومؤيد، فكان الرد على هذه القرارات بالخروج إلى الشوارع رفضاً لهذه السياسات والدعم الاعمى "لإسرائيل الصهيونية" ودفاعاً وتضامناً مع قطاع غزة.

ففي فرنسا رغم محاولة وزير الداخلية جيرالد دارمانان إصدار قرار بمنع المظاهرات المسيرات الداعمة لفلسطين داخل الدولة الفرنسية؛ إلا أن المناصرين والمتضامنين من الفرنسيين ردوا على القرار بالخروج في مسيرات في عدة مدن فرنسية منها: باريس وليون ومارسيليا[1]، ولاحقاً رفض البرلمان الفرنسي القرار الحكومي حول حظر المسيرات الداعمة لفلسطين وتم ابطال القرار[2].

بينما في بريطانيا صرحت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان بأن المظاهرات الداعمة والمؤيدة لفلسطين في لندن باعتبارها "مسيرات كراهية" ورغم تصريحات برافرمان والانتقادات التي تبعت تصريحاتها إلا أن المتظاهرون استمروا بالتواجد في شوارع العاصمة البريطانية وواكبوا على رفع الأعلام الفلسطينية رداً على أحد تصريحات وزيرة الداخلية المرتبطة باعتبار رفع العلم الفلسطيني هو فعل غير قانوني[3]. أما في ألمانيا فرغم كل محاولات التضييق والاعتقالات لمناصري القضية الفلسطينية واعتداء الشرطة الألمانية على المتظاهرين في المسيرات ومنع الرموز الفلسطينية مثل الكوفية والعلم الفلسطيني ومنع التراخيص للمظاهرات الداعمة للفلسطينيين وتحديد مدة منع الترخيص حتى العشرين من شهر شباط القادم، إلا أن المناصرين والداعمين في ألمانيا استمروا بالخروج في المسيرات والتظاهر في الشوارع وتحديداً في برلين[4].

ووفق إحصائية أجراها مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه (ACLED) في تتبعه للعدد الكمي للمسيرات التي خرجت دعماً لفلسطين فقد كان مجمل عدد المسيرات الموزعة حول العالم المتضامنة مع فلسطين 3700 مسيرة أي ما نسبته 90%، وقد توزعت في قارات العالم كالتالي:600  مسيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شهدت القارة الأوروبية العديد من المسيرات؛ ففي ألمانيا وصل عدد المسيرات تقريباً لــ 170 مسيرة، وفي إحدى مظاهرات برلين احتدت المواجهة بين المتظاهرين والشرطة ما أدى إلى اعتقالهم. أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط وصل عدد المسيرات إلى 1400؛ معظمها تركز في الدول التالية على الترتيب: اليمن (490)، تركيا (357)، ايران (276)، المغرب (267).  وذلك مقابل 520  مسيرة دعماً " لإسرائيل" فقط أي ما نسبته 13%.[5]

رغم تضييقات الشرطة.. مظاهرة في ألمانيا نصرة لغزة

ومع استمرار الحرب لليوم الـــ 116 لا تزال المسيرات المتضامنة مع فلسطين مستمرة حول العالم، ففي وصل الحرب ليومها المئة وكآخر تحديث لوضع المسيرات حول العالم عمل المنظمون على ترتيب عدة مسيرات في مختلف الدول لتعبر عن صيرورة دعمها للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني رغم استمرار الحرب، فكانت المسيرات موزعة مساء السبت بتاريخ 13-1-2024 مع التحضير  للدخول في اليوم المِئة للحرب كالتالي: ماليزيا وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة وإندونيسيا، تايلاند، إيطاليا، اليونان، اليابان، باكستان، كوالامبور وجاكرتا  أمام السفارة الأمريكية، وذلك في إطار يوم عالمي للعمل من أجل فلسطين والسعي لإنهاء ووقف الحرب[6].

تداعيات الحراك العالمي التضامني مع فلسطين المستعمَرة: عقب معركة طوفان الأقصى المستمرة

إن أهم نتائج حققتها معركة طوفان الأقصى هو إعادة الموقعية التي تمثلها القضية الفلسطينية في قلب العالم الغربي والعربي، فهذه العودة أتت بعد سنوات من الغياب ومحاولات تحويلها لقضية هامشية ثانوية ضمن قضايا الصراع العالمي، وتتمثل هذه الأهمية بخطوط المواجهة التي فتحتها ضد جبهات " اسرائيل الصهيونية" في مواقع العالم العربي والعالمي؛ فعلى صعيد الحشد الإعلامي والرواية الصهيونية حول "الضحية الصهيونية" "الناجي من المحرقة" فقد عَرت وكشفت معركة طوفان الأقصى أقنعة "الناجي الصهيوني" وكشفت وجهه المادي الحقيقي باعتباره مستعمِر محتل لا يختلف عمن صنع "المحرقة" بل يتماثل معه في الفعل والسلوك وهو فعل الاحتلال والقتل. وعلى صعيد التأييد الشعبي لشعوب العالم للصهيونية والتعاطف فقد تفككت صورة "الضحية" وتحوله إلى المجرم الذي يمارس حرب إبادة ضد الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة؛ تجلت صورته كقاتل بقصف مستشفى المعمداني دون تردد.

إن أهم نتائج حققتها معركة طوفان الأقصى هو إعادة الموقعية التي تمثلها القضية الفلسطينية في قلب العالم الغربي والعربي

ومن النتائج الأخرى التي شكلتها معركة الطوفان هو عودة لدور الجاليات الفلسطينية في مختلف انحاء العالم ودورهم في دعم واسناد شعبهم في أماكن وجودهم وانتشارهم وذلك من خلال الناشطين والمؤثرين في كل منطقة الذين عملوا على فتح خطوط التشبيك والتواصل من أجل الحشد للمسيرات في مختلف الدول؛ ومن النماذج الحية على نمط العمل هذا هو الناشطين الفلسطينيين في ألمانيا ضمن شبكة صامدون وفاعليتهم في الحشد والمشاركة ما دفع وزيرة الداخلية الألمانية على حظر شبكة صامدون ومنع أنشطتهم وعملهم[7].  

فقد كانت صحوة لجذور الهوية الوطنية الفلسطينية واستعادة لدور المغتربين ونطاق فعلهم وأهميته. إضافةَ إلى إعادة دور المخيمات الفلسطينية في الشتات خارج حدود فلسطين التاريخية ودورهم في الفاعلية بهذه الحرب المفتوحة من خارج حدود فلسطين ودفاعاً عن أمل تحقيق عودتهم إلى أراضيهم. ونهايةً وليس ختاماً لبقاء نتائج قيد صناعة ذاتها داخل حرب الثورة الكبرى معركة طوفان الأقصى التي ما زالت دائرة، فقد فتحت المعركة سؤال مهم حول معنى الحدود وشكلها وكيفية خرقها، فالعلاقة مع الحدود لم تتوقف عند قدرة الفلسطيني على عبورها فقط وإنما جسدها الحراك العالمي التضامني للشعوب وتحديداً الشعوب العربية التي زحفت نحو الحدود في محاولة لتحاوزها والدخول إلى فلسطين مثل الأردن، والعراق واليمن.
_________________________________________________________________________________

[1] "فرنسا تحظر المظاهرات المؤيدة لفلسطين ومحتجون يتحدون". قناة الجزيرة، بتاريخ (13-10-2023)،

http://tinyurl.com/ye23smzk

[2] "مجلس الدولة الفرنسي يبطل قرار الحكومة بحظر المظاهرات المؤيدة لفلسطين." Trt بالعربي، بتاريخ (18-10-2023)،

http://tinyurl.com/yepn2utv

[3] "وزيرة داخلية بريطانيا: المظاهرات المؤيدة لفلسطين "مسيرات كراهية". وكالة الاناضول AA، بتاريخ ( 31-10-2023)،

http://tinyurl.com/y9ja4vmh

[4] "مراسل الجزيرة: حكومة برلين في ألمانيا تمنع التجمعات الداعمة لفلسطين حتى فبراير المقبل." قناة الجزيرة، بتاريخ (19-10-2023(،

http://tinyurl.com/mr3hxe6d

[5] “Infographic: Global Demonstrations in Response to the Israel-Palestine Conflict”. ACLED, Authors: Timothy Lay; Ciro Murilloin, in( 7 November 2023),

http://tinyurl.com/ms56f6py

“[6] Hundreds of thousands rally globally for Gaza on eve of 100 days of war.” Aljazeera, in( 13-1-2024),

http://tinyurl.com/yep4j35n   

[7] وزيرة الداخلية الألمانية: حظر أنشطة حماس وحل حركة "صامدون". قناة الجزيرة، بتاريخ ( 2-11-2023)،

https://t.ly/uRaeM