الخميس  02 كانون الثاني 2025

الفن حيث يصبح شاهدا ودليلا

ميسرة بارود: الرسم وسيلتي للمقاومة واستعادة التوازن في وجه الفوضى

2024-12-30 01:22:31 AM
الفن حيث يصبح شاهدا ودليلا
ميسرة بارود

تدوين- سوار عبد ربه 

في مرحلة يعج فيها الواقع بتفاصيل مظلمة تحاصر الإنسان من كل جانب، ووسط شبح الموت الذي يلاحق الفلسطيني في قطاع غزة، من كافة الاتجاهات وبمختلف الوسائل وأبشع الطرق، حيث تلاحقه آلة الحرب والدمار الصهيونية في كل مكان وزمان، يصبح الألم الفلسطيني قدرا لا فكاك منه، يتبعه في كل تفاصيل حياته اليومية، لتصبح معاناته نسيجا لا ينفصل عن كينونته. ومع ذلك، وعلى مر التاريخ، ابتكر الفلسطيني أساليب للمقاومة تتجاوز السلاح، لتكون مقاومة تهديد وجوده وحياته وذاكرته.

لقد ظل الفلسطيني يسعى إلى أن يبقى حيا في روحه وعقله، متمسكا بإنسانيته التي سعى الاستعمار جاهدا لتجريده منها. وفي ظل هذا الواقع الأليم، بدأ كل فرد في البحث عن خلاصه الفردي، الذي يتحول بدوره إلى خلاص جماعي عندما يكتشف الجميع طرقهم الخاصة للنجاة، ليصرخوا في وجه الاحتلال والموت: أنا ما زلت حيا.

ميسرة بارود، الفنان التشكيلي الفلسطيني من قطاع غزة، اختار أن يكون خلاصه الفردي في هذه المقتلة المستمرة من خلال الرسم. فقد قرر أن يواجه هذا الواقع المأساوي بأن يرسم يوميا، ويشارك رسوماته مع العالم مرفقة بعبارة: "ما زلت حيا". رسم كل شيء، من زوايا الإبادة وتفاصيلها الدقيقة إلى كواليس معاناتها اليومية، ليجعل من لوحاته شهادة حية على تلك الجرائم من جهة، وعلى مقاومته الشخصية لكافة المحاولات الرامية إلى عزل الفلسطيني عن عالمه وزمنه من جهة أخرى.

بارود هو فنان بصري ولد في غزة وعمل محاضرا في كلية الفنون الجميلة في جامعة الأقصى في غزة، حصل على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة النجاح الوطنية ودرجة الماجستير في الفنون الجميلة من كلية الفنون الجميلة في الزمالك، القاهرة، وشارك في العديد من المعارض الجماعية المحلية والدولية، كما أقام سبعة معارض فردية.

التقت تدوين بالفنان الفلسطيني ميسرة بارود وأجرت معه الحوار التالي:

تدوين: ماذا يعني "الرسم تحت النار" في سياق تجربتك الفنية؟ وكيف تتغير طبيعة أعمالك وأساليبك عندما تصبح الظروف أقل احتداما مقارنة بالوضع الراهن؟

بارود: "الرسم تحت النار" في سياق تجربتي الفنية يعني حرفياً ومجازياً أن أرسم في ظل ظروف قاسية وغير إنسانية، حيث يصبح الفن وسيلة للتعبير عن الألم، المقاومة، الصبر، الصمود، الحزن، والانكسار، والبحث عن الأمل في مواجهة الخراب.

عندما أرسم تحت ضغط الخوف، الحصار، والدمار، تصبح رسوماتي أكثر قوة وانفعالاً وبساطة، تعكس قسوة المشهد الخارجي والحالة النفسية الداخلية.

أما عندما تهدأ الظروف قليلاً، حتى لو للحظات قصيرة، فإن أعمالي تأخذ طابعاً مختلفاً. أبدأ بإعادة النظر في التفاصيل، أبحث عن الجمال المختبئ وسط الحطام، أعيد صياغة الأمل والرغبة في الحياة. يصبح هناك وقت للتأمل، لرسم الأحلام بدلاً من الكوابيس، وللبحث عن معانٍ أعمق وراء المعاناة.

لكن حتى في الأوقات الأقل احتداماً، يظل أثر “الرسم تحت النار” حاضراً، لأنه يترك بصماته في كل ما أُبدعه. اللوحة تصبح شهادة على ما مررت به، سواء كانت تعكس الألم أو الأمل.

تدوين: هل تهدف من خلال الرسومات التي تنشرها بشكل يومي على منصات التواصل الاجتماعي إلى توثيق هذه المرحلة المفصلية من القضية الفلسطينية، أم أن هذه الرسومات تمثل مسعى شخصيا للبقاء حاضرا على الصعيدين الذهني والوجداني في هذه الظروف الاستثنائية؟

بارود: رسوماتي اليومية على منصات التواصل الاجتماعي تحمل كلا الهدفين معاً. فمن ناحية، أعتبرها وسيلة لتوثيق هذه المرحلة المفصلية من القضية الفلسطينية، لأنها تنقل صوتاً وصورة من داخل الواقع الذي نعيشه، واقع يتعرض للتشويه أو التعتيم أحياناً. أرى أن الفن أداة قوية لإيصال معاناة شعبي وقصصنا الحقيقية إلى العالم، ولتعزيز الذاكرة الجمعية الفلسطينية في مواجهة محاولات الطمس والنسيان.

ومن ناحية أخرى، فإن هذه الرسومات تمثل مسعى شخصياً للبقاء حاضراً على الصعيدين الذهني والوجداني. الرسم أصبح لي وسيلة للمقاومة الداخلية، للحفاظ على توازني النفسي وسط الفوضى والخسارات. كل لوحة هي نوع من التنفيس عن الألم، ومحاولة لاستعادة الإحساس بالسيطرة على جزء من حياتي التي تهددها الظروف القاسية.

في النهاية، الفن بالنسبة لي هو شكل من أشكال البقاء. إنه لغة تجمع بين التوثيق الشخصي والجماعي، وبين البحث عن معنى وسط المعاناة.

تدوين: الشخصيات المتراكمة والمتشابكة، والتي تبدو وكأنها تحضن بعضها البعض، تشكل سمة بارزة في لوحاتك. ما الرسالة التي تسعى لإيصالها من خلال هذا التصوير؟

بارود: الشخصيات المتراكمة والمتشابكة في لوحاتي تعكس روح التضامن والوحدة التي تميز الشعب الفلسطيني في مواجهة المحن. هذه الأجساد المتداخلة التي تبدو وكأنها تحضن بعضها البعض هي تعبير عن الترابط الإنساني الذي ينشأ في ظل المعاناة المشتركة. أريد أن أقول من خلالها إننا، رغم الألم والخسارات، نبقى متكاتفين، نتشارك الأمل كما نتشارك الألم.

كما أن هذا التصوير يحمل بُعداً رمزياً أعمق؛ فهو يعبر عن فقدان الحدود بين الأفراد في الظروف القاسية، حيث تصبح الجماعة هي الملاذ الوحيد، ويتحول الشعور الفردي إلى شعور جمعي. الشخصيات المتشابكة تجسد فكرة أننا لا نواجه هذه المعركة وحدنا، وأن مصيرنا مشترك، سواء كان ذلك في الحزن أو المقاومة.

وفي الوقت نفسه، تعكس هذه الأشكال نوعاً من الحنين والحاجة إلى الحماية والدفء الإنساني. هي رسالة تُذكر العالم بأننا، رغم الظروف القاسية، نظل بشراً بحاجة إلى الحب، الأمان، والاعتراف بإنسانيتنا.

تدوين: لماذا اخترت استخدام اللونين الأبيض والأسود حصراً في أعمالك الفنية؟ هل يعكس هذا الخيار القتامة التي تعيشها المرحلة، أم أن هناك دوافع أخرى تتعلق بتقنياتك أو الموارد المتاحة؟ وإلى أي مدى تؤثر التقنيات والأساليب التي تعتمدها في تشكيل الرسالة التي تسعى إلى نقلها؟

بارود: منذ بداية مشواري الفني وأنا ارسم باللونين الأبيض والأسود ولا ثالث لهما، اختياري للونين الأبيض والأسود في أعمالي الفنية ينبع من عدة أسباب، بعضها يرتبط بالظروف التي أعيشها، والبعض الآخر يعود إلى الرسالة التي أسعى لإيصالها.

من ناحية رمزية: الأبيض والأسود يعكسان القتامة والوضوح اللذين يميزان هذه المرحلة. هما لونان متناقضان، لكنهما في الوقت نفسه يكمّلان بعضهما، مثل القلق والتوازن والتضاد والصراع والانسجام والغموض والدهشة والحب والحرب والموت والحياة، الأمل واليأس، الظلم والمقاومة. بهذا الخيار، أحاول أن أُبرز التعقيدات التي تحيط بالواقع الفلسطيني، حيث لا توجد منطقة رمادية تُخفف من حدة الصراع والمعاناة.

من ناحية تأثير الأسلوب: التقنيات التي أستخدمها—مثل الخطوط القوية، والمساحات البيضاء أو السوداء الخالية—تعزز من قوة الرسالة. الأبيض والأسود لا يحتملان التأويلات الكثيرة؛ هما مباشران وحادان، مثل حقيقة المعاناة التي أعيشها وأحاول إيصالها. كما أن استخدام هذين اللونين يخلق شعوراً درامياً يجذب عين المشاهد مباشرة إلى التفاصيل والقصص المخبأة داخل اللوحة.

في النهاية، الأبيض والأسود ليسا مجرد اختيار بصري، بل هما لغة فنية تعكس المرحلة بأكملها، وتساهم في إيصال صوتي بوضوح إلى العالم.

تدوين: الجسد الفلسطيني المستعمر يشكل عنصراً أساسياً في أعمالك. ما مدى تأثير الحرب الحالية على تمثيل هذا الجسد في فنك؟

بارود: الجسد هو رمز مرادف للوطن ولوجوده في العمل الفني تأويلات عدة فمرة تحتضنه ومرة يحتضنك، وهو الجسد المتشظي المقطع والمنتهك والمدنس في حالات، وفي حالات أخرى هو الجسد المقدس يعلو ويدنو وينحني ويتقوس.

الجسد الفلسطيني المستعمر في أعمالي ليس مجرد شكل بصري، بل هو رمز للمعاناة، والصمود، والإنسانية المُجرّدة من حقوقها. الحرب الحالية تركت تأثيراً عميقاً على تمثيل هذا الجسد في فني، حيث أصبحت تفاصيله أكثر قسوة وتعبيراً عن الألم والتحدي.

في ظل الحرب، يتحول الجسد إلى مساحة للصراع على كل المستويات:

  • جسد مثقل بالجراح: أجساد شخصياتي باتت مشوهة أو مثقلة بالتعبير عن الألم الجسدي والنفسي. أستخدم الخطوط القاسية والمتشابكة لإبراز التوتر، وكأن الجسد يحمل عبء الأرض بأكملها.
  • جسد مقاوم: رغم هذا التشويه الظاهري، يبقى الجسد قائماً. تظهر في لوحاتي حركات وأوضاع تعكس التحدي، كالأذرع الممتدة أو الأجساد المتشابكة التي ترفض الانهيار، مما يرمز إلى إرادة الحياة التي لا يمكن كسرها.
  • جسد مُجمّد في اللحظة: الحرب الحالية تجعل الجسد الفلسطيني عالقاً في حالة من اللايقين؛ لا هو ميت بالكامل ولا هو حي بشكل كامل. هذا ما أحاول أن أوثقه في عملي: الجسد ككيان يصرخ بأنه موجود رغم محاولات محوه.

بشكل عام، الحرب جعلت تمثيل الجسد أكثر مركزية في أعمالي. صار الجسد الفلسطيني شاهداً على الاحتلال والحرب، لكنه أيضاً حامل للأمل، رمزاً للكرامة التي لا تُسلب، وشكلاً من أشكال الذاكرة الجمعية التي لا تنسى.

تدوين: ما هي الرموز التشكيلية الأكثر بروزاً في أعمالك الفنية؟ وهل فرضت هذه الرموز نفسها بشكل تلقائي على اللوحات، أم أنها تمثل تجسيداً لرؤيتك الفنية الشخصية؟ هل ترى أن الرموز التشكيلية الفلسطينية تتطور استجابة للتغيرات التي تمر بها المرحلة، أم أن الهوية البصرية الفلسطينية ثابتة منذ نشأتها وتحافظ على عناصرها الأساسية؟

بارود: الرموز التشكيلية في أعمالي الفنية تتمحور حول العناصر التي تحمل في طياتها دلالات فلسطينية قوية، مثل الكوفية، مفاتيح البيوت المهجّرة، أشجار الزيتون، الجدران المتهدمة، والأجساد المتشابكة والخيمة وقبة الصخرة. هذه الرموز ليست مجرد عناصر فنية؛ بل هي أداة لربط الحاضر بالماضي، وجعل كل لوحة شهادة على واقعنا وذاكرتنا الجماعية.

الكثير من هذه الرموز فرضت نفسها بشكل تلقائي على لوحاتي، لأنني كفلسطيني أعيش هذه التفاصيل يومياً؛ هي جزء من الواقع المحيط بي والذاكرة التي أحملها. ومع ذلك، فإن اختيار التركيز عليها وتوظيفها بشكل فني يعكس أيضاً رؤيتي الشخصية. أستخدم هذه الرموز كجسر بين المعاناة الفردية والجماعية، وكوسيلة للتواصل مع جمهوري، سواء كانوا فلسطينيين أو متضامنين من ثقافات مختلفة.

الرموز التشكيلية الفلسطينية ليست ثابتة بالكامل، لكنها تحتفظ بعناصرها الأساسية التي تعبر عن الهوية. الكوفية والزيتون والمفتاح، على سبيل المثال، ستظل دائماً رموزاً مركزية. لكن مع تغير المرحلة، تتطور طرق تقديم هذه الرموز واستيعابها في الأعمال الفنية.

  • استجابة للحرب والقمع: الرموز تصبح أكثر تعبيراً عن الألم والصمود، مثل الأجساد المشوهة أو المتشابكة التي تعكس واقع القصف والتهجير.
  • استجابة للمقاومة الثقافية: يتم استدعاء الرموز بطريقة أكثر ابتكاراً، مثل استخدام الكوفية كنمط زخرفي داخل اللوحات أو تحويل المفتاح إلى رمز أمل يتجاوز حدوده المادية.

الهوية البصرية الفلسطينية تجمع بين الثبات والتطور. هناك رموز وجماليات أساسية تُحافظ على أصالتها عبر الأجيال، لأنها تشكل العمود الفقري للذاكرة الفلسطينية. لكن هذه الهوية ليست جامدة؛ هي تتطور لتواكب المرحلة، سواء من خلال استلهام عناصر جديدة من الواقع، أو إعادة صياغة الرموز التقليدية بطرق تعكس الحداثة والتواصل مع العالم.

دوري كفنان ومن خلال فني، أساهم في تطوير هذه الرموز وحمايتها في الوقت نفسه. أحاول أن أُعيد صياغتها بطريقة تعبر عن المرحلة الراهنة، وفي الوقت ذاته، أحافظ على جوهرها الأصلي كجزء لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية. بهذا الشكل، يصبح الفن مساحة ديناميكية تجمع بين الأصالة والابتكار، بين الحاضر والماضي، وبين الفردي والجمعي.

تدوين: اخترت "ما زلت حياً" كتوقيع خاص لأعمالك الفنية. كيف ترى العلاقة بين الفن والمقاومة. وهل تعتبر أعمالك جزءاً من حركة أوسع تهدف إلى تعزيز المقاومة الثقافية؟

بارود: اختيار عبارة "ما زلت حياً" كتوقيع لأعمالي يعكس قناعتي بأن الفن في حد ذاته فعل مقاومة. في ظل القتل اليومي المستمر ومحاولات الطمس والاستعمار، مجرد التعبير عن الوجود الفلسطيني وتوثيقه هو مقاومة ضد النسيان ومحاولات محو الهوية. الفن يُبقي الرواية حية ويمنحنا وسيلة للصراخ في وجه القمع، حتى وإن كانت أدواتنا بسيطة.

الفن والمقاومة مرتبطان بشكل عضوي، خاصة في السياق الفلسطيني. المقاومة ليست فقط فعل الكفاح المسلح أو السياسي؛ بل هي أيضاً ثقافية وإنسانية. الفن هنا يعبر عن الثبات، ينقل المعاناة، ويخلق جسوراً للتواصل مع العالم الخارجي. اللوحات، الكلمات، والألحان تصبح أدوات لتوثيق الحقائق، ولإحياء الذاكرة الجمعية التي لا تستطيع أي قوة أن تمحوها.

بالتأكيد، أرى أعمالي كجزء من حركة مقاومة ثقافية أوسع. في فلسطين وخارجها، هناك فنانون وشعراء وكتّاب يستخدمون إبداعاتهم كأداة لتعزيز الوعي وإعادة صياغة السرد الذي يحاول الاحتلال تشويهه. نحن نعمل جميعاً كقطع فسيفساء تشكل لوحة أوسع للهوية والمقاومة.

من خلال عبارة "ما زلت حياً"، أؤكد على أن الفلسطيني، رغم كل ما يمر به، لا يزال يقاوم بأبسط الوسائل، ولا يزال يصرخ: أنا هنا، أنا موجود، وأملك الحق في الحياة والحرية وإن آلة القتل التي أوغلت فينا قتلا وتدميرا لن تستطيع أن تنتزع شغفي بالرسم.

تدوين: كيف ترى دور الفن في الحفاظ على الهوية الفلسطينية وتعزيزها في ظل التحديات المستمرة للمحو الثقافي؟ وهل تعتقد أن الفن يمكن أن يكون أداة فاعلة في تأكيد الوجود الفلسطيني، ليس فقط عبر التعبير عن معاناته، بل أيضا من خلال تشكيل وحماية الذاكرة الثقافية أمام محاولات التصفية الرمزية والتاريخية؟

بارود: أرى أن الفن يلعب دوراً محورياً في الحفاظ على الهوية الفلسطينية وتعزيزها، خاصة في مواجهة محاولات المحو الثقافي والتصفية الرمزية والتاريخية التي يمارسها الاحتلال. الفن الفلسطيني ليس مجرد وسيلة للتعبير عن المعاناة، بل هو وسيلة لإعادة تشكيل روايتنا، وإبراز جماليات هويتنا، وتأكيد وجودنا وحقنا في الحياة على أرضنا.

الفن يحمل في طياته تاريخاً، لغةً، وقصصاً شخصية وجمعية تُشكّل هوية شعب بأكمله. عندما أرسم أو أُبدع، فأنا أستحضر رموزاً فلسطينية، مثل الكوفية، الزيتون، البيوت المهجّرة، والأجساد التي تحمل الأرض. هذه الرموز ليست فقط شواهد على الماضي، بل هي وسيلة للتشبث بالجذور، لتذكير أنفسنا وأجيالنا القادمة بماضينا وحقيقتنا.

الفن يتيح للفلسطينيين سرد روايتهم بلغتهم الخاصة، بعيداً عن التشويه أو التهميش. لا يقتصر الأمر على التعبير عن المعاناة؛ بل يشمل أيضاً الاحتفاء بالحياة، بالأمل، وبالأحلام التي لا يمكن محوها. من خلال الفن، نُظهر للعالم أننا لسنا فقط ضحايا، بل أصحاب ثقافة غنية ومتنوعة تستحق الاحترام والاعتراف.

عندما نحكي قصصنا بألواننا وأصواتنا، نصبح نحن من يتحكم بالسردية. في مواجهة التصفية الرمزية، يصبح الفن مساحة للمقاومة، ولإعادة تعريف الرموز الفلسطينية، وتحويلها إلى أدوات قوة وصمود. كما أن هذه الأعمال تصل إلى جمهور عالمي، ما يفتح المجال لتوسيع التضامن مع قضيتنا وتحدي الروايات الاستعمارية.

في النهاية، أؤمن أن الفن الفلسطيني لا يحمل فقط رسالة ثقافية، بل هو فعل سياسي وإنساني يثبت للعالم أن هويتنا أقوى من أي محاولات لطمسها.