السبت  14 حزيران 2025

الناقد ليس مهندس علاقات أدبيّة

2025-06-13 07:56:35 AM
الناقد ليس مهندس علاقات أدبيّة

تدوين-فراس حج محمد 

يحتوي كتاب محمود شقير "المشهد الروائي الفلسطيني" على تمهيد، وأربع مقالات عامة حول الرواية الفلسطينية، و(58) مقالة قصيرة ومتوسطة حول مجموعة من الروائيين والروائيات ينتمون إلى فلسطين بصورة أو بأخرى، و(20) رسالة موجهة لكتاب السرد الفلسطيني. ويتّصل الكتاب بعدّة قضايا نقديّة يمكن الحديث عنها، ومنها طبيعة الكتاب وتصنيفه، وما فيه من أفكار، ومواقف الكاتب الجمالية، كونه سارداً أولاً وليس ناقداً.

يعزز الكتاب إجمالاً أهمية أن يكتب "المبدع" في ما يقدّمه زملاؤه من "إبداع"، لأنه يمنح نفسه إمكانية تأمل أعمالهم، ليكسب خبراتهم، ويتعلم من أخطائهم ويستفيد من إنجازاتهم، ويبني على ما عندهم، ليكتمل بهم، ويكتملوا به، وكأنه يضمّ خبراتهم المتعددة إلى خبرته الشخصية، عدا أنه ينمي في ذاته نزعة النقد بما تشتمل عليه من اختبار الجيد فيمدحه، والرديء فيصف رداءته، وهذه عملية منضبطة، تساعد الكاتب الناقد أن يكون أكثر "ديمقراطية" في مسألتين؛ الأولى تفكيره مع الكتّاب الآخرين إبداعياً، ويقيس تجاربهم إلى تجربته وإلى ثقافته، ليمنحهم ما عنده من آراء، وإن بدا أحيانا ذا سلطة ويكتب بلغة فيها نوع من الإرشاد والتوجيه إلا أنه في كل الحالات يحترم أولئك الروائيين ويخاطبهم بمحبة. لقد منح الكاتب شقير كثيرا من وقته لهؤلاء الروائيين، قارئاً ومتأملاً، وعند الأخذ بعين الاعتبار عدد الروايات التي وقف عندها يدرك المرء حجم ذلك الجهد المبذول في سبيل الإضاءة والتعريف بتلك الروايات.

وأما المسألة الأخرى المتصلة بديمقراطية الكتابة مدحه لإبداع غيره، لا سيما هؤلاء الروائيين الذي يشاركونه الصنعة نفسها، وكما قيل "لا شاعر يمدح شاعراً آخر"، فإن الروائيين لا يمدح بعضهم بعضاً، لذلك التنافس الكائن الصامت في نفوس المبدعين تجاه بعضهم بعضاً، وفي مثل هذه الحالة فإن شقير عندما يكتب عن روائيين يتسامى على أنانية الكاتب فيه، فيمدح من يراه مستحقاً للمدح، ويتلطّف مع الآخرين المتعثرين في الكتابة، ليغرق في عالم شبيه بعالم "صنع العلاقات العامة"، فبدا "مهندس علاقات أدبية"، فكان يمارس "إتيكيتاً نقدياً" في تعامله الكتابي مع هؤلاء الكتاب، وهذا يتفق مع وصف الكتاب بأنه "قراءات"، فلا يرتقي ليكون دراسات أو مقاربات. ولا بد من أن بين هذه المصطلحات فارقا بيّناً، القراءة، والدراسة، والمقاربة النقدية. ربما أعود إلى تفصيل القول في هذه الفروق في كتابة لاحقة

إن صلب المادة المكونة للكتاب (المقالات والرسائل) تندرج فيما اصطلح عليه في "العلاقات العامة" بالاتصال الشخصي، و"هو الاتصال الذي يكون بين شخصين أو فرد وآخر أو بين مجموعة قليلة ومحدودة من الأفراد وبين مجموعة أخرى" وهذه "العملية تحدث يومياً حينما نعطي ونتلقى أوامر، أو ندخل في مناقشة أو تبادل التحيات"، ولم يكتب شقير تلك المادة إلا من باب تلك العلاقة التي تحكم الطرفين، وعليه فإنه "استخدم اللغة المناسبة لمستوى الأفراد الذين تتحدث إليهم"، كما سأوضحه في موضعه، وبتلقائية ظهرت بوضوح في المحادثات غير الرسمية/ الرسائل واللقاءات العابرة التي حلت محلها تلك القراءات العاجلة. (يُنظر: معجم مصطلحات العلاقات العامة، بسام عبد الرحمن المشاقبة، دار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن، 2014، ص 23)، ويستطيع القارئ تمييز ذلك بوضوح وهو يقرأ تلك اللغة اللطيفة المهذبة غير النقدية التي استخدمها شقير في نسج هذه المادة.

هل هذا أمر إيجابيّ أم سلبيّ في الكتاب؟ أظن أن الكاتب يكتب عن معارفه وأصدقائه، والكتابة عن الأصدقاء تتخذ هذا الطابع في الأعم الأغلب، لا سيما وأنّ شقير عندما يكتب انطباعاته حول الروايات يكتبها كقارئ وروائي، وكشخصية عامة أدبية لها احترامها بين هؤلاء الكتّاب، وليس بوصفه ناقداً أدبياً، فقد خفتت فيه تلك النزعة النقدية التي تدخل الكتابة في أصول الكتابة النقدية الاحترافية، حتى الانطباعية منها، فهذه المقالات هي مقالات عامة كأي كتابة حول أي موضوع كان، تصف وتستعرض وتبيّن، مع المحافظة على مشاعر الكتّاب من أن تمسها لفظة نقدية جارحة،كتبها صاحبها كما يكتب أي كاتب آخر يتحدث عن أية مسألة أخرى، في مقالات الرأي، وعليه يصحّ اعتبارها بناء على ذلك مع الملاحظة الأولى أنها "مقالات رأي" وليست مقالات نقد، تصفّق بحرارة عبر اللغة المادحة للمجيدين الكبار، وتشجّع الآخرين، فتشعر كأن شقير بين تلاميذ متفاوتي القدرات، ولكل تلميذ أسلوبه في التعامل مع إجابته الروائية، مراعيا بحساسية المعلم النبيه تلك "الفروق الفردية" بينهم.

هذه النظرة المدرسية الصفية التي جعلت روائياً سارداً تخطى الثمانين من عمره وفي رصيده أكثر من 90 عملاً كتابياً، يعامل الكتاب جميعاً بهذه الصفة، ولذلك تجده أحياناً يقترح أحداثاً ونهايات على الكتّاب، كأنه يصحح دفاتر التعبير المدرسي، هذه الكيفية ليست من شغل الناقد المحترف، إنما عليه أن يحلل البنية النصية ويعرضها على "متطلبات الفن الروائي".

لا شكّ في أن الكاتب يوظف مجموعة من مصطلحات الفن السردي خلال الكتابة، وهذا أمر لا بد منه، لكنها مصطلحات جاءت ضمن رؤيته كسارد وروائي يحكم ويحاكم، ويصحح، ويعطي علامات تفوق للطلاب المتفوقين أو توجيه للطلاب متدني الأداء الروائي. وتصبّ هذه الملاحظة في ملاحظة تدني النزعة النقدية التي حكمت الكتاب بمجمله.

هذا عدا ما في الكتاب من أفكار تحكمها أيديولوجية الكاتب اليسارية، ويعيد تلك المقولات الكلاسيكية القديمة التي صارت تشعر القارئ بالملل، كوصف المجتمع بالذكوري، واضطهاد المرأة، والتسلط، والإسلاموية والمتطرفين الإسلاميين والحرية الاجتماعية، والتحرر من العادات والتقاليد، وتشعر وأنت تقرأ بعض تلك "القراءات" أن الكاتب يمارس تصفية حسابات مع هذه الموضوعات وخاصة، الإسلاميين، والتدين الشعبي، هذه القراءات تضعك مرة أخرى في سياق آخر مختلف تماماً، فهل هذه هي حقيقة "المشهد الروائي الفلسطيني". خاصّة وأن بعض تلك الروايات التي تتساوق مع هذا الخط روايات رديئة فعلاً، من خلال حديثه عنها، ومن خلال اطلاعي على بعضها، ولأنه اختار "أسلوب العلاقات العامة" في الكتابة، فقد دخلت تلك الروايات في المشهد الروائي على حساب روايات أكثر عمقاً من الناحيتين الفنية والموضوعية. إنه بهذه الطريقة ظلم المشهد الروائي الفلسطيني برمّته.

ويتبع هذه الأيديولوجية نفوره من "اللغة الشعرية" في الرواية، لكنه لا يتخذ حيالها موقفا موحداً، فيمتدحها عند روائيين، وينتقدها عند آخرين، إذ يفضل شقير اللغة العملية المتقشفة التي لا تذهب وراء البلاغة والتزيين والزخرفة، وهي اللغة التي يكتب فيها سرده، وحتى كتابه هذا، وتتحكم علاقته بالكاتب بوجهة نظره في لغة روايته، ففي الوقت الذي يبالغ فيه بمدح لغة إبراهيم نصر الله، ينتقد لغة آخرين، لا شك في أن السياقين يقولان جملة مضمرة، ترى الشمس على حيطان نصر الله أجمل منها على حيطان غيره من الروائيين.

كما يعيب اللغة ذات المستوى الواحد في بعض الروايات، ويتجاوز عن ملاحظة "الجائز الروائي" في اللغة التي يمكن لها أن تمر في "نهر ليثي" لتصبح لغة موحدة، هي لغة الكاتب نفسه، ولا ضير في ذلك، منحازا إلى رأي مخائيل باختين في أن اللغة الشعرية هي اللغة التي يجب أن تغرق في مياه نهر ليثي، "أما الناثر (الروائي) وبصفة عامة، كل ناثر تقريباً، فإنه يسلك طريقاً مختلفة تماماً. إنه يستقبل داخل عمله الأدبي التعددية اللسانية والصوتية للغة الأدبية وغير الأدبية، بدون أن يضعف عمله من جراء ذلك. بل إنه يصير أكثر عمقاً لأن ذلك يُسهم في توعيته وتفريده". (ينظر: الخطاب الروائي، ترجمة: محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة،1987، ص 66- ص 67).

إن ما يعاب في اللغة الروائية هو أن الكتّاب لا يلتزمون التزاماً منهجيا صارما بواحدة من الطريقتين، فإذا أرادوا التنويع في لغة الرواية حسب الشخصيات، يخرجون عن هذا المنطق المتنوع، ويخالفونه، ليصبح خطأ سرديا وعيبا لغويا حقيقيا، كأن يستعمل العامية في الحوار، وهذه العامية لا تنتمي إلى بلد الشخصية كما جاء في ملاحظة شقير حول استخدام "خيتا" التي لا تستخدم في القدس، وهي من لغة أهل الناصرة، وهي ملاحظة محقّة وفي محلّها.

ومن تفخيخ اللغة بالبعد الأيديولوجي عند شقير وعند غيره من دعاة الديمقراطية اللغوية والانحياز إلى المرأة انحيازا شكلياً، إيراده وصف التأنيث وتقديمه للروائيات على الروائيين، وهذه المراوحة بين الوصفين في سياق واحد بإيراد المذكر وإلحاق المؤنث به أو العكس أسلوب مزعج في القراءة وفي الكتابة أيضاً، إلا أنه بعيد عن الأسلوب العربي الفصيح الذي وجد العرب لهذه المعضلة حلاً، في ما يعرف بظاهرة التغليب اللغوي، فكل خطاب عام يدخل فيه الجنسان معا، ولا حاجة لأن نقول الروائيات والروائيين كتبن وكتبوا... فيكفي أن نقول "الروائيين"، لتشمل الجنسين، وعلى ذلك جاء كلام العرب إلا إذا كان الكلام خاصا بالنساء، فيخرج منه الرجال بواحدة من علامات التأنيث اللغوية المعروفة.

هذا الانحياز اللغوي للغة المؤنثة عند الكاتب يتراجع وهو يتحدث عن الرواية المشتركة بين الكاتبة ديما السمان والكاتب جميل السلحوت، فيصرّ على تقديم السلحوت على السمان، مع أن ديما السمان روائية، وكاتبة، ومن حقها حسب المنطق الأيديولوجي للغة شقير الكتابية أن يقدمها على السلحوت، وهذا ما يجعلني أقول إن هذا الانحياز شكلي، عامّ، ولكن عند تحققه في شخصيات معروفة، وكلاهما صديقه، فإنه يقدم الكاتب الروائي على الكاتبة الروائية، هل يحق لشقير أن يقول إن هذا من باب الاعتياد، وتقديم اسم الكاتب على اسم الكاتبة على الغلاف في حالتهما وحالات مشابهة أخرى؟ بالطبع لا، لأنه لم يساوِ بينهما (الروائيين والروائيات) في سياق الكتابة العامة. عدا أنه لم يكتب سوى عن (9) روائيات بمقابل (34) روائياً، وأما الرسائل فكانت أحسن حالاً، إذ راسل ثماني كاتبات وثمانية كتّاب. وعلى العموم فإن قراءة وتحليل ما كتبه شقير عن الروائيات تحليلاً بنيويا نصياً، وموازنته بما كتبه عن الروائيين سيكشف أشياء أكثر عمقاً في اللغة المستخدمة، والنبرة التعليمية وحجم المكتوب، وما إلى ذلك، ويكشف عن انحيازاته الفكرية وحقيقتها، ومفاهيم الأعماق لديه، وبنيته الذهنية.

هذه الملاحظة المستنتجة في كتاب شقير، كنت قد لاحظتها عندما قرأت الرسائل المشتركة التي كتبها السلحوت وصباح بشير، إذ تبدو سيطرة السلحوت وهيمنته على الكتاب وأجوائه، لتظل الكاتبة ظلاً يواكب "الظل الكبير" للكاتب الرسولي المعلم والحامي والنصير. (يُنظر: الكتابة في الوجه والمواجهة، فراس حج محمد، دار الرعاة، وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023، ص 293- 295).

وأما على صعيد البنية الروائية ومكوناتها، فظل حديث شقير عاماً، وإن مسّ التقنيات السردية والأساليب الروائية مسّاً خفيفاً، ما يؤثر في أهمية الكتاب في باب المرجعية البحثية لدى الدارسين، فلا يعتمد على مقولاته إلا ما جاء متعلقا بتجربته الشخصية كروائي، وقد وردت في شهادته تحت عنوان "أنا والرواية" وهي منشورة خارج الكتاب أيضاً، بمعنى أنّ من أراد الرجوع إليها يكفيه مصدر واحد، ويستطيع الحصول عليها من أحد المواقع الإلكترونية بسهولة (نشرت في موقع الحوار المتمدن بتاريخ: 31/7/2019)، وبذلك فإن الكتاب بهذه الصيغة، يساهم كما قلت آنفاً في توطيد مهمة كاتبه؛ كونه "مهندس علاقات أدبية" ليس أكثر، ولا يعوّل كثيرا على مثل تلك الأدبيات التي لها مثل هذه الصفة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن رأي شقير في مكونات الرواية ينقصها العمق، إذ يوجّه نصائحه إلى أن بعض الروايات تشتمل على المقالات أو الخواطر أو المعلومات التوثيقية الخاصة بموضوع معين، فيرى أن من الأفضل حذف ذلك، على الرغم من أن الرواية- كما يقول كثير من الروائيين- يجب أن تكون ذات بعد معرفي، تعلم القارئ وتغذيه معرفياً، فليطلعْ شقير مثلا على ما قاله الروائي التونسي د. نزار شقرون في لقائه مع الكاتبة الروائية نجوى بركات في برنامجها مطالعات (حلقة، 04‏/06‏/2025) فشقرون يكتب ما يمكن أن يطلق عليه "الرواية المعرفية"، عدا أن الفن الروائي بانسيابيته وتمدده باستطاعته أن يهضم القصيدة والمقالة والخاطرة والرسالة، والمحاضرات، والمعلومات التوثيقية والتجارب العلمية والتجليات الروحية والصوفية والفن التشكلي والتنظير السياسي والأيديولوجي، وكثير من الكتاب أدخلوها في رواياتهم على نحو سلس، ولكن المعوّل عليه هو "فنية" هذا التوظيف لا التوظيف بحد ذاته، ولأن شقير لا يقدم تحليلا شافياً فإنه يكتفي بالملاحظة العامة التي لا يحللها ضمن سياقاتها الروائية، ولا يبين وجوهها على نحو مفصل في الرواية محل الانتقاد. وفي هذا المقام أعيد ما كتبه د. فيصل دراج في مقدمة كتاب "مداريّات حزينة"، أنّ لجنة جائزة الغونكور الفرنسيّة المخصّصة للرواية كانت ستمنح كلود ليفي شتراوس جائزتها على كتابه "مداريّات حزينة" لو كان الكتاب مصنّفاً على أنّه رواية. (ينظر: مقدّمة مداريّات حزينة، الطبعة العربيّة، دار كنعان، 2003، ص 5)

لا ينحاز شقير إلى "تقنية الراوي العليم"، ويفضل أن يبتعد الكتّاب عنها إلى تقنيات سرد أخرى، كتقنية وجهات النظرـ والسرد بضمير المتكلم، ولعلّ نفور شقير من هذه التقنية السردية نابع من تقليديتها، ومن أنها قد تترك ظلالا من عدم الإقناع في السرد وتؤثر في الرغبة في القراءة والتلقي، هذا عدا ما تحدث به من أن روايته التي شارك فيها بالبوكر أول مرة لم تصل إلى القائمتين؛ الطويلة والقصيرة، واستبعدت من التنافس كما استبعدت كل الروايات الراوي العليم، ما ولّد في نفسه نقمة تجاه هذه التقنية السردية، على الرغم من أنها هي التقنية السردية الأم، وذات بعد فلسفي كبير تحدث عنها رولان بارت، وخصصتُ لذلك مقالاً سابقاً. (يُنظر: السّارد ودوره الخطير في القصص، ديوان العرب، نشر بتاريخ: 11/11/2019).

على العموم، فإن هذا الكتاب؛ كتاب "المشهد الروائي الفلسطيني" بصيغته هذه يقدّم نبذات نافعة تعريفية بالروايات المتحدّث عنها، لكنها بكل تأكيد لن تكون كافية لرسم المشهد الروائي الفلسطيني، نظراً لتعدد التجربة الروائية الفلسطينية وثرائها التقني والسردي، ولأن ثمة كتاب رواية وروايات لم يتعرض لرواياتهم ولم يذكرها، حتى وهو يهاجم "الرواية البوليسية" التي يصبح التفكير في كتابتها "ترفا لا يستحق الانتباه" يغض الطرف عن رواية غسان كنفاني "الشيء الآخر: من قتل ليلى الحايك" المصنفة على أنها رواية بوليسية. كما أنه لا يذكر من قريب أو بعيد رواية "المأدبة الحمراء" لمحمد هاني أبو زياد وهي رواية بوليسية.

وعدا هذا وذاك فإنه لا يتعرض لأصوات روائية مهمة كخليل ناصيف وإياد شماسنة وأسامة العيسة وأكرم مسلم، وميرفت جمعة وسعاد العامري، وروايات المفكرين من أمثال هشام شرابي وروايته "الرحلة الأخيرة، وعزمي بشارة وروايتيه "الحاجز" و"حب في منطقة الظل"، وأصوات أخرى كثيرة يشكل غيابها نقصا فادحا في رسم المشهد الروائي، وبالتالي افتقد الكتاب فرصة رسم الخطوط العامة العريضة للرواية الفلسطينية التي تحدد للدارسين الطريق، وخاصة الجيل الجديد.

لا شك في أن الكاتب، أي كاتب، لا يكتب عن كل الروايات، لكنه مضطر- إن أراد رسم المشهد الروائي بطريقة أكثر موضوعية وصواباً- أن يكتب عن كل تلك التجارب التي تشكل خطّا مهماً في مسارب الرواية الفلسطينية، كالرواية التاريخية، والفلسفية، والرومانسية، والرواية السياسية، ورواية السيرة الذاتية، والرواية النسوية، والرواية التسجيلية، والبوليسية، وغير ذلك من مسارب كتابية، فلم يستثمر الكاتب اطلاعه الواسع على الرواية وكتّابها ليكتب كتاباً رصيناً يضيف إلى المكتبة العربية والفلسطينية لبنة معرفية لا غنى عنها، وبدلا من ذلك انحاز إلى السهولة والخفة في اختيار الروايات والكتابة عنها بطريقة عابرة وسطحية.