الأحد  22 كانون الأول 2024

مصائر..كونشرتو الهولوكوست والنكبة

2015-06-30 03:32:32 PM
مصائر..كونشرتو الهولوكوست والنكبة
صورة ارشيفية
رواية جديدة لربعي المدهون
صدرت عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت و"مكتبة كل شيء" في حيفا، رواية جديدة للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون، بعنوان رئيس "مصائر"، وعنوان ثانوي "كونشرتو الهولوكوست والنكبة".
تقع الرواية في 272 صفحة من القطع المتوسط، وتضمّ أربع مرويات، تمثل كل منها إحدى حركات الكونشرتو الذي استعارت منه الرواية قالبها.
 تنهض كل من المرويات الأربع على بطلين اثنين، يتحركان في فضائهما الخاص، تسندهما حكايات فرعية عدة، يتحولان إلى شخصيتين ثانويتين في الحركة التالية. وحين يصل العمل إلى الحركة الرابعة والأخيرة، تكون ثيمات الرواية، قد تكاملت وتوالفت حول أسئلة النكبة، والهولوكوست (محرقة اليهود)، والعودة.
في المروية/الحركة الأولى، تحب إيفانا اردكيان، الفلسطينية الأرمنية، المقيمة في عكا القديمة، طبيبا بريطانيا في زمن الانتداب على فلسطين. ينجبان بنتا ترحل بها إيفانا إلى لندن عشية نكبة 1948. قبل وفاتها، توصي إيفانا ابنتها جولي، بحرق جثتها وإعادة بعض رمادها إلى ما كان منزل والديها في عكا القديمة، أو إلى منزل عائلة مقدسية مستعدة لاستقباله.
في المروية الثانية، تكتب جنين دهمان – من فلسطينيي48 - رواية بعنوان "فلسطيني تيس"، عن محمود دهمان الذي يهاجر وعائلته من المجدل عسقلان إلى غزة خلال النكبة. لكنه يعود سرّا إلى المجدل من دون عائلته. تغلق الحدود بين إسرائيل وغزة. يفقد محمود عائلته. يتزوج، ويواجه حياته الجديدة، كفلسطيني في ما أصبح دولة إسرائيل.
وبينما تراجع جنين روايتها، يطلعنا السارد على حكايتها هي. يخبرنا بأنها تحب فلسطينيا من الضفة الغربية. تتزوجه ويعيشان معا في يافا. يصطدم زواجهما بالقوانين الإسرائيلية التي تجعل استمراره مستحيلا.
وفي الحركة الرابعة والأخيرة، يزور وليد دهمان، زوج جولي، متحف المحرقة "يد فّشِم" في القدس. ومن هناك، يطل على ما تبقى من قرية دير ياسين. يتذكر المذبحة التي ارتكبت فيها عام 1948. يلتقي هو وجولي بعدها جنين دهمان في يافا. يتعرف على مصادر روايتها، وأسرار ما أوردته من حكايات، ومصائر أبطالها. ويحاولان معا، وضع نهايات للمرويات الأربع التي تمايزت، وتداخلت، وتوالفت، وظلّت بلا نهايات.
تجدر الإشارة إلى صدور 6 طبعات من رواية ربعي المدهون السابقة " السيدة من تل أبيب " والتي كانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2010 .
 
 
---------
مقطع من الرواية
ما الذي فجّر تلك الرغبة عند جولي، الانجليزية الأب، الأرمينية الأم، الفلسطينية المولد؟ ما الذي جعلها تفكّر، فجأة، في العودة للاقامة في بلاد لا تعرفها، ولم يخطر ببال وليد نفسه أن يعود اليها بصورة نهائية، حتى حين أصبحت عودته إليها وإقامته فيها ممكنة، بطريقة ما. هو الذي أوجعت المنافي والغربة ومحطّات اللجوء فلسطينيته منذ الطفولة!أهو ما حدث خلال الأيام العشرة التي قضياها في البلاد، يقعان في عشق مدينة فتغار منها مدينة أخرى وتعاتبهما ثالثة؟ ما أن يهتف أحدهما، أو كلاهما،  هذه أجمل مدن فلسطين، حتى يعشقان مدينة غيرها، بما فيها مدن لم يتبق منها حجر يستأنس بحجر ويحدثه عن ما جرى! أم هي زيارة جولي لبيت جدها الذي هربت منه والدتها قبل أكثر من ستة عقود؟ أم أن وصية ايفانا بإعادتها الى البلاد رماد جثة غيّرت ابنتها؟ أو لعل عكا نفسها أثرت عليها. عكاها هي التي ولدت خارج أسوارها ولم تأخذ معها من ملامحها ما يعوِّض نصف غربتها على الأقل. عكا إيفانا التي تخلّت عنها في لحظة نزق عاطفي. عكا بسحرها الخاص وتاريخها المعلّق بعضه على حيطان الشوارع، يتمشى أكثره في أزقة حاراتها وساحاتها القديمة. تاريخها  المحفور على الحجارة، يهدر به موج البحر ليل نهار؟ عكا بكنائسها، بدير الفرانسيسكان، بمساجدها، بمينائها، بأسواقها القديمة، بظاهر العمر، بالجزار أحمد باشا، بنابليون مذلا مهانا تحت أسوارها، بالست معارف مرشدتها الشعبية، بحمّص سعيد فيها، بحمام الباشا. آه يا لحمام الباشا هذا وما فعله بهما وخصوصا جولي. حين زاراه، في أول يوم لهما في عكا، تركت جولي عمرها على الباب الإلكتروني بعد أن اجتازته إلى الداخل. خلعت ملابسها في "الغرفة الصيفية". كوّمتها على الأرض، وراحت تتأمل جسدها كما كانت تفعل في سنوات مراهقتها. راح وليد يتأملها تلفّ منشفة قطنية حول جسدها، تطوي طرفيها العلويين وتشدهما تحت ابطها. انتعلت قبقابا خشبيا، ومشت تلحق بها طرقعات القبقاب كأنها "غوار الطوشة" الذي لم تشاهده ولم تتعرف إليه. تردد صدى صوت القبقاب في الغرفة ذات السقف العالي. خلعته من قدميها، وما زال صدى طرقعته الأخيرة يتردد في المكان. تمددت على وجهها على البلاط المبلل في "الغرفة الساخنة" واختفت في البخار، تاركة خلفها صرخة ناعمة لم يسمعها وليد: "دلّك لي جسمي كله يا وليد". كان وليد غارقا في متابعة فيديو يعرض مشاهد تمثيلية مصورة لما كان عليه الحمام وطقوسه حتى وقوع النكبة. يصاحبها تعليق يتحدث عن "ما قبل الاستقلال وبعده". صحَتْ جولي من شرودها المؤقت الجميل، وراحت تتأمل الرسوم التوضيحية التي وضعتها السلطات على ستائر خفيفة لشرح بعض جوانب الحياة القديمة داخل الحمام. وهي من أعمال الفنانة الاسرائيلية، تانيا سلونسكي. وصحا وليد على لقائه الأول بفاطمة معارف. قدّر كم هي عظيمة تلك المرأة التي يشبه جسدها دولاب شاحنة على حد وصف صديقه جميل. المرشدة الشعبيه التي تحفظ الحقائق من التزوير. وتذكّر قولها وردده كما يردده عكاويون كثيرون: "بنَعْطي السياح معلومات صحيحة ابّلاش..أحسن ما يشتروا كذب الاسرائيليين اليهود ابمصاري." وعاد ليتابع أسئلته: هل أقنَعَت عكا جولي باستعادة نصفها الذي ضاع في زمن نشأتها نصف غريبة؟ هل أقنعتها باستعادة فلسطين التي ورِثتها عن أمها صورا من ماض أضاعته، ومشاهد من أحلام ظلّت تحلمها حتى صارت وصية؟ عكا التي تخشى جولي أن يكونا غادراها، ويغادران البلاد كلها، بعد قليل، مثلما جاءا إليها، بريطانيان أنهيا جولة سياحية في إسرائيل؟!