الأحد  22 كانون الأول 2024

ضمير الغائبة

2014-02-18 00:00:00
ضمير الغائبة
صورة ارشيفية

الشاعر: علي الزهيري

أسمعُ صوت دموعكِ فوق العتبة 

تتهشّمُ مثل أواني العازب،

لا أبكيكِ ولكن تبكيكِ الخطوة فوق العتبة. 

لو أنكِ أخَّرتِ رحيلكِ عُقَداً وعقوداً

من هذا العمر المُتدلّي كيدَي سكران.

لو أنّكِ أبعدتِ حياةً كاملةً عن كفِّ الطّوفان.

ماذا يفعلُ من أفناهُ غيابكِ جسداً جسدا؟

 

أسمع صوتَ القهوة تبكيكِ بلا دمعٍ،

تختزل الدّمعة تلو الدّمعة في الفنجان.

أحملُ فنجاني وأقدّمُ شفةً وأؤخّرُ أخرى 

فأرى القهوة عاصفةً تتمدّدُ فيه،

تنتظرُ الرّشفة كي تخرج،

كي تخبرك بما أوصتها النّارُ الهادئةُ، 

ثلاثُ دقائق فوق النّار ولم تلد امرأةٌ 

لكن البشر ازدادوا فردا.

وغيابك يُنقصني جسداً جسدا.

أسمعُ صوت الباب تئنُّ مفاصلهُ

من قطرة عطركِ فوق المقبض،

من نظرة ضجرٍ خلّفها الصّيفُ على عينيكِ المتعبتين 

لماذا جئت الآن؟ 

لماذا غادرتِ قُبيل الآن 

وخلّفت على عينيّ المُتعبَتين من البحر الواسع زبدا؟

ماذا يفعلُ من ذوّبه بحركِ جسداً جسداً؟

 

أسمعُ صوت الجدران تقوم من الصّمت 

وتمشي نحوي،

تختزلُ البيتَ إلى علبة كبريتٍ

لا تعرف شكل الشّمع

وتعرف كيف يُضاءُ العمر بعتمة شعركِ

لو أنّكِ أخّرتِ رحيلكِ أبدا.

ما زال غيابُكِ يحرقني جسداً جسدا.

 

أسمعُ صوت النّاجين من الحُبِّ يقومون سراعاً وتباعا،

يقتتلون على اسمكِ مِنّي.

أسمعُ صوت معاركهم في جسدي.

أشعرُ بقميصي ينتفضُ غباراً،

ويَسيلُ من الفكرة دمُهم،

وأرى -حين يعودون من الموت- على وجهي بلدا 

تسّاقطُ مثل الشُّهب على قلقي،

وغيابُك يُسقطني جسداً جسدا.

 

أسمعُ صوت ظلالكِ تنمو من آنية الزّرع الفارغةِ 

وترسمُ طيف امرأةٍ تسقي شتلتها 

في عينَي رجلٍ يتأمّلها 

ويكاد يكون وحيداً لولا طيفُ امرأةٍ 

ينمو من آنية الزّرع وينهَبُ عُزلته كمدا.

وغيابُكِ ينهَبُني جسداً جسدا.

 

أسمعُ صوت المرآة تُقلّب صوركِ في ذاكرتي.

يجرحُني عجز الصّورة عن حملي.

يجرحُني فشلي في الرّسم وفي النّحتِ.

لماذا أكتبكِ هنا بالحبر الأسود وأنكِّرُ وجهكِ 

كي لا يعرفكِ النّاسُ،

وأبكي خطأي في رصد الضّحكة حين تُغادرُ شفتيكِ إليّ

وتخلعُ قلبَ الكون عليها حَسدا!.

ويظل غيابُكِ يخلعني جسداً جسدا.

أسمعُ صوت حُليِّك تتقارعُ 

مثل كؤوس الخمر على باب الحُلم،

وبابُ الحُلم كما بابُ البيت تئنُّ مفاصلهُ من همسة عطركِ.

كيف لعطركِ أن يتسلّل للحلم ويوقظه؟ 

كيف لعطركِ أن يزرع شوكَ غيابكِ فوق وسائدنا 

ويُسيل على صحوي الرّمدا !؟.

وغيابكِ يسكبني جسداً جسدا.

 

لا شيء هنا في هذا البيت المُتهالِكِ 

إلّا غُربتُنا وحنيني.

لا شيء هنا إلا ضحكَتُنا وأنيني.

سوف يمرُّ على الدّار غريبٌ ويقولُ لفطنتهِ:

« يُشبه هذا البيت قشور اليقطين الذّابلة «

سيضحكُ طيرٌ أبلهُ من منظره ويقول: 

« يُشبه هذا الرّجلُ بقايا رجُلٍ أعرفه 

قشّرهُ شبحُ الوحدة جسداً جسدا،

يُشبه آخر جسدٍ زرعتهُ الوحدة عند العتبة وتدا،

ينتظر غيابكِ أن يحصدهُ جسداً جسدا.