الإثنين  23 كانون الأول 2024

"السَّكينة الدَّاخليَّة... إجازةٌ ومشْيٌ في أرياف العقل الهادئة !!". بقلم: رائد دحبور.

2014-11-08 02:58:52 PM
صورة ارشيفية

 كم نتلقَّى يومياً من وابل التَّلَوث الضَّوْضائي – نفيرُ السَّيَّارات والصَّافرات الصَّاخبة، وضجيج الطَّائرات وهدير الوُرَش والمعامل؛ ورنين الهاتف، والمكالمات الهاتفيَّة التي لا تتوقَّف؛ وصخب الحياة من حولنا ؟!.

ثمَّ على الأغلب يُمضي معظمنا أمسيته في الإستماع لوسائل الإعلام؛ وفي مشاهدة التّلفاز بكلِّ ما ينضحُ به من مُختلف أنماط بواعث التَّوتر والشَّد العصبي؛ أو البرامج السَّطحيَّة التي تفتقرُ في كثيرٍ منها للذَّائقة الإنسانيَّة؛ او لأيِّ هدفٍ ثقافي أو تربوي؛ والّتي تُسوِّقُ للتَّفاهات تحت شعار التَّرفيه؛ فترفَعُ أقواماً وتخفِضُ آخرين !!.

ألَمْ يأنِ إذنْ للعقلِ وللذِّهنِ أنْ يستريحا من عناءِ الشَّد العصبي في الأماسي على الأقل ؟!... بلى: قال الَّذي أجْهدَه يومُ العمل الطَّويلُ؛ وزعيق المدينة؛ ورنينُ الهاتف الَّذي لا يَرْعَوِي عن الإنطلاق غيرَ آبهٍ بأيِّ خصوصيَّة !!.

قال في نفسه: لا بُدَّ من إجازةٍ في المساء؛ لا بُدَّ من إجازةٍ للذِّهن وللأعصاب؛ ومن إجازةٍ من وسائل الإعلام؛ ومن الأفكار الَّتي تُقيِّدُنا تحتَ محوَرِ مكبس الضُّغوط؛ فقد آنَ الأوان لبعثِ طاقة القوَّة الرُّوحيَّة من مكمَنِها؛ وقد آنَ الأوان لإطلاق طاقة الإسترخاء الدَّاخليَّة؛ الَّتي تُحرِّرُ الذَّهنَ والوجدان من أثقال الجسد المُجْهَد؛ وترخي حِبالَ الشَّد العصبي المُلْتَفَّةِ حولَ مِعْصَمِ المشاعر الدَّاخليَّة المنهكة بفعلِ قوَّةِ وتذبذبات وتردُّدات موجات الضَّغط والإنفاعالات وارتدادات آثار الأمزجة المختلفة المتنوِّعَةِ والمضطربة لمختلف أصناف البشر الَّذين صادفهم في أثناءِ يومه الطَّويل !!.

قال في نفسه: ما أهميَّة السُّكون والهدوء في الخارج؛ وفي غِلافِ أجسادنا؛ إنْ بقينا في مستنقَعِ القلق والهواجس والأفكار السَّلبيَّةِ المتداعية ؟! وما فائدة الهدوء والسُّكون في الخارج إنْ لم نشعر بالسَّكينةِ في دواخِلِنا؛ وإنْ لم يكنْ مبعثُ السَّكينَةِ صفاءُ الذِّهن؛ قبل صفاء الأجواء ؟!.

إستَلْقى على فرِاشه... وتنفَّسّ بِوَعيٍ تامٍّ وباسترخاء... ووضّعَ كِلْتا يدَيْهِ على قلبه... قال بِصَوْتٍ مُرْتَفعٍ: " الَّليلة سأسيرُ على خُطى الفلاسفة الحُكماء؛ ومع كلِّ نَفَسٍ ألتَقِطه؛ سوف استعيدُ سكينتي الدَّاخليَّة؛ وأستثمِرُ سكينة الجو من حولي في تعزيزها"... قال بصوتٍ مرتفع: أنا أبثُّ في نفسي السَّعادة؛ وأمتدُّ بهذا الشُّعور الطَّيِّب لما وراء جسمي وجسدي المحدود؛ والمُثْقَل بقيود المادَّة وبأثقال الَّلحم والدَّم والماء والأخلاط !!. يجِبُ أنْ أمشي بخطواتٍ هادئة في ريف عقلي الهاديء الواسع؛ أتخيَّل هدوء الشَّاطيء الجميل؛ وسكون الطَّبيعة الرَّصينة الوادعة.

بدأَ يشعر أنَّه يحرر نفسه من الأفكار والمشاعر السَّلبيَّة الَّتي تقف في طريق سعادته الدَّاخليَّة؛ بدأ يشعر بالسَّكينة الدَّاخليَّة تغزو ذهنه ونفسه... إستراحَ؛ وأخذَ إجازةً يوميَّةً مسائيَّةً للذِّهن وللعقل الَّذي أضْنَاهُ التَّعبُ؛ وأخذ إجازة من الهواجس والقلق؛ ومن طحنِ الماء الآسن في وسائل الإعلام !!.