السبت  21 كانون الأول 2024

في رحيل "سمير سلامة"... بقلم: سماح خليفة

2018-08-17 02:17:11 PM
في رحيل
سماح خليفة

هل احتفظت صفد ابنة فلسطين بالريشة والألوان؛ لتتمكن من إعادة نبض القلب الذي شهد له التاريخ، مزهوا مفعما بروح الإبداع رغم تقلبات المرحلة في دائرة الحركة الساكنة!!! ورغم انفلات البعد الفلسفي خارج حيز الشك والتأويل!!!

ذرة الغبار الهشة التي تحملنا على ظهرها في فضاء هذا الكون الأزلي المنطوي في قبضة الإله لم تسكت شغفنا نحو حياة شهية خفيفة لا بحة لصوت الروح في ظلالنا المنكفئة على جدلية الخلود، ولا صدى متكسر لنبض القلب المأسور بين قضبان صدورنا العارية.

لم تتوقف حيرتي يوما في أولئك الذين يحتفلون بأعياد ميلادهم، ولماذا هي أعياد أصلا؟ وبأي حال تتهافت تلك الأعياد على محطات أعمارنا المتدافعة؟ هل أمطرت سماء كرامة بني يعرب مثلا في يوم ميلادهم؟!

لم أستطع أن أفهم أو أستوعب السبب الذي يدفع الناس لممارسة طقوسهم الاحتفالية بهذا اليوم، ولا حتى تبادل التهاني والتبريكات والمعايدات بإطفاء سنة من عمرهم.

حاولت أن أتجاوز هذا الأمر وعدم التفكير به، فلكل مبرراته، رغم رضوخي أحيانا لمطالبة صغاري بكيكة ميلادهم، كنت أبرر فرح الطفولة الذي يتأرجح على أغصان شجرة العمر اليافعة، لينضج فرحة شهية لامعة في مقل الطفولة المندفعة بجرأة نحو الحياة، ولم أجد تبريرا لمن كشفت له الحياة عن أنيابها، وجهرت له برمادية اللحظة الحائرة في فكرة الرحيل المزمع عقدها في رأس العقرب الذي لا يفتأ يلدغ أعمارنا، كنت أقول في كل مرة: في النهاية هي كيكة لذيذة، سنجتمع حولها، لنحصي سني العمر التي خانتها ابتهالاتنا لغد أفضل، سنطفحها ونستمتع على أية حال، ولكن حتى الطفح لم أتمكن من تجاوزه، فتساؤلات والدة "هشام الجخ" عن مبرر لسبب الكيكة التي يريدها في عيد ميلاده، رغم أنه ذكر لأم البنات التي اشتهت ولدا في ظروف اجتماعية قاسية، وسط زيجات لوالد لم يحترم شعور الزوجة وتفانيها، هي لم تجدها، لكن حالها كحالي تستسلم وتمنحه الكيكة ليطفحها ورفاقه، وتغض الطرف عن الظروف القاسية التي لفظت كبدها خارج الجسد المأسور، إلا أن طفحه للكيكة كان مذاقه يقطر حروفا ألهبت مشاعرنا وحركت حواسنا للجخ كشاعر له بصمته.

 اليوم، وجدتني في حيرة مضاعفة بل أن الاكتئاب بدأ ينسج خيوطه حول قلبي بحرفية ماكرة، لكن قلبي تنبه في آخر لحظة قبل أن يستشري السم فيه، فشهق شهقته الأخيرة وفر تاركة "سمير سلامة" بين الكيكة ومقصلة الموت، مستذكرا مقولته "أيها الموت هزمتك الفنون كلها".

 هل أسعف الوقت عائلة سمير للاحتفال بعيد ميلاده وتذوق طعم الإبداع للعام ال 74 أم أنهم تذوقوا طعم الفقد والحسرة مع بزوغ شمس 16 أغسطس التي شهدت ذاتها ميلاده في عام 1944!!!

 هنا تكمن المفارقة الكبيرة، بين مجيء ورحيل، بين فرح وألم!!! بين رفع لعلم السعادة وتنكيس له في ظل غيمة حبلى بالمفاجآت.

هل سيشهد 16 أغسطس ميلاد ابن صفد الفنان المبدع الذي أبى إلا أن يكون فلسطينيا أبيا شامخا ورفض أن يلعق جواز سفره سم دولة إسرائيل المغتصبة، التي صادرت حريته وحرية شعبه ذات يوم مشؤوم!! أم أنها ستشهد رحيل قامة فنية مبدعة تركتنا على حافة فرح؟

بين 16 أغسطس عام 1944 و16 أغسطس عام 2018 سنولد على كف عفريت!!! أو ربما سنحصي كل ابتسامة وقفت على نفس عتبة الموت تنتظر الرحيل دون أن تتمكن من طفح الكيكة إلا فقط من إطفاء شمعة بائسة ذابت في معترك حياة قيدتها حكمة القدر!!!

سمير سلامة وبعد عامه الثامن من صراعه مع مرض السرطان الذي غيبه عن هذه الأرض ولم يغيبه عن الذاكرة، سيظل الميت الحي فينا...لروحة الرحمة