السبت  21 كانون الأول 2024

المؤسسة واحترام التخصص بقلم: تغريد الأحمد

2018-09-08 12:17:17 PM
المؤسسة واحترام التخصص
بقلم: تغريد الأحمد
تغريد الأحمد

تسعى هذه المقالة إلى توضيح أهمية إدماج التخصصات المختلفة في المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية. سواء كان ذلك في إطار القطاع العام كالجمعيات الأهلية ومؤسسات التربية والتعليم وحتى الأحزاب السياسية، والقطاع الخاص كالشركات الخاصة والمصالح الاقتصادية الصغيرة والكبيرة.

تصف هذه المقالة الوضع القائم الحالي للمؤسسات العربية بداية من المؤسسة “الأم" ألا وهي المجتمع عامة، حتى المؤسسات التي ذكرت أعلاه.

وتستند هذه المقالة على تجارب تطبيقية تنبع من العمل التنظيمي أمام المؤسسات، وأيضا على مواد علمية من عالم الاستشارة التنظيمية والتطوير المؤسساتي.

إن الفرضية التي تحرك هذا المضمون أن المجتمع العربي عامة يملك قدرات جمة ومميزة، والمشكلة تتلخص بكون هذه القدرات موزعة وغير مركزة، وهذا برأيي ومن تجربتي العملية – التطبيقية هو تعريف "التخصص"، ينقص هذا المجتمع ممارسة “التخصص” الإيمان به  واحترام " التخصصات ". بمعنى: أن كبار قادة العالم يضعون إلى جانبهم مستشارين مختصين كل في مجاله. ونحن لا نقنع بهذا النهج عامة؛ لذا: بتحليلي، ندور حول أنفسنا كمؤسسات أولا وكمجتمع ثانيا، وتعتبر إنجازاتنا غالبا أفقية وليست عامودية بما فيه الكفاية؛ أي أن انجازاتنا كمية ولكنها لا تحدث التغيير الثوري الذي نحتاجه بقوة، المقصود هنا بالتغيير الأفقي: أن التغييرات تتم بمستوى إضافات مستمرة وتحسينات متكررة، بالرغم من أهميتها إلا أنها غير كافية. إن التغيير العامودي، وأقصد به هنا التغيير بمستوى إحداث زعزعة في المبنى التنظيمي الهرمي سواء للتنظيم الواحد أم للمجتمع عامة.

ليس صدفة ألا نجد مقالات علمية أو تطبيقية حول موضوع: "التخصصات في المؤسسات" باللغة العربية!

أعتقد أن هنالك منابع ثقافية لهذا الجانب من العمل المؤسساتي والذي يعتمد أساسا على نفسية “الأنا" الشرقية، بمعنى  أننا كأفراد، كمجموعات وكمؤسسات نعيش في قوقعة أننا "نعرف كل شيء" ولا نحتاج إلى أية مساعدة أو مرافقة مهنية.

هناك وهم قاتل برأيي ألا وهو أننا إذا طلبنا الاستشارة أو الاستعانة بمختصين وكأننا نعلن ضعفنا أو عدم قدرتنا على التحرك بمفردنا.

وهذا ليس صحيحا البتة! إنما الحالة بعكس ذلك تماما، لماذا؟

من العناصر الهامة للتعلم المؤسساتي هو الانفتاح إلى خارج التنظيم وخاصة في عصرنا هذا الذي يمتاز بلغة الاستشارة التنظيمية في البيئة الخارجية المركبة الدينامية سريعة التغير والمليئة بالمنافسات القوية الشرسة.

لذا، فإن التنظيم الذي يسعى إلى الحفاظ على وجوده في الدرجة الأولى، والتطور في الدرجة الثانية والتميز في الدرجة الثالثة، عليه:

أولا، أن يحافظ على طاقاته الداخلية بالطبع من آليات عمل وموارد بشرية، وتطويرها وتدعيمها بواسطة برامج تدريب خاصة تلائم حاجيات التنظيم.

ثانيا، أن يحترم التخصصات المختلفة الموجودة في الحقل والتي من الممكن جدا أن تساهم في تطويره وربما في رفعه عاليا، دون أن ينقص ذلك من القيمة المهنية ومكانة أصحاب الوظائف الحالية لديه والعمل على الاستعانة بها وإدماجها في موارده البشرية.

في قدرته على استيعاب الجديد والاستعانة بالتخصصات المهنية المختلفة؛ فإن التنظيم يعلن عن ثقته بنفسه كمؤسسة عامة وكإداريين خاصة.

بالطبع، عملية كهذه تنبع منها إسقاطات عدة على داخل التنظيم وقد تهدد كيانه في حالة قلة جهوزيته. إن واجب القائمين على التنظيم تحضير الأرضية، وتوفير برامج التدريب المناسبة من أجل تذويت أهمية إدماج التخصصات المختلفة سواء لتطوير الأداء الوظيفي لطواقم العمل أو تطوير التنظيم ككل.

مثال قوي على ذلك  نأتي به من المجال القانوني،  بالرغم من أن القضاة في المحاكم المختلفة  يملكون أقصى الخبرات والقدرات التحليلية في مجالهم؛ إلا أنهم يستعينون قبل إصدار الأحكام بذوي التخصصات المختلفة مثل الطب وتخمين الأراضي والهندسة والحسابات وتخصصات أخرى عديدة بحسب طبيعة القضية المتداولة.

لا يمكن إصدار حكم عادل وثابت دون تدعيمه بالنواحي العلمية والتخصصات بحسب نوعية الملفات والقضايا التي تتطلب البت فيها، هذا إن دل فهو يدل على قوة المحاكم، ما يعطي القوة في اتخاذ القرارات الصائبة ويشكل مرشدا ودليلا هاما آنيا ومستقبليا ونقطة انطلاق للذهاب قدما في عالم القضاء والقانون.

التخصصات هي قوة تميز التنظيم عن غيره، ومؤشر لنجاحه المحتوم في حال اعتماده على التخصصات المختلفة إيمانا ونهجا فعليا.

وللتأكيد على أهمية النقطة أعلاه نطرح هنا مثالا عكسيا: في مفاوضات السلام التي  تمت بين الدول العربية وإسرائيل تميزت بعدم استعانة المفاوضين العرب بخبراء القانون والاقتصاد والسياسة، بينما القيادات الإسرائيلية المفاوضة استعانت دوما بذوي التخصصات المختلفة واحترمت كل خبير في مجاله السياسي والاقتصادي كخبراء المياه والحدود والنواحي القانونية والقانون الدولي والمواثيق الدولية.

وهنا لنا أن نتخيل أبعاد هذه الفجوة العميقة في طريقة التعاطي مع الأمور والتي أعطت أفضلية واضحة صارخة للإسرائيليين، والتي ما زالت بالطبع آثارها تنخر في تاريخ العرب حتى يومنا هذا.

إن الاستعانة بالخبراء والمختصين تبعث الراحة النفسية لدى القيادات السياسية والاجتماعية، وقس على ذلك الاداريين في المؤسسات المختلفة وكل في موقعه.

يقال إن القيادات الإسرائيلية كانت تجلس بكل ثقة وثبات في حين يرافقها أقوى الخبراء وذوي الكفاءات، بينما يكون التردد وقلة الثقة بالنفس حليف العرب. هذا الطرح لم يأت قطعيا من أجل الإحباط؛ وإنما ليوضح بساطة الحلول أحيانا ومنابعها.

من المهم التنويه إلى أن استعمال هذه الأمثلة الصارخة والتي كتبت أجزاء من تاريخ العرب والفلسطينيين، جاءت بهدف التعلم والمقارنة من أجل الوقوف على الأخطاء وأمل تصليحها في العهد الحالي، على الأقل على مستوى العمل المؤسساتي والتنظيمات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.

بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، يساهم الخبراء من الخارج في توسيع وإغناء عالم المعرفة للمختص أو الخبير داخل التنظيم . بينما تسهل عملية التعلم من خبراء التنظيم؛ الحفاظ على المعرفة القائمة وبناء نماذج للإدارة الصحيحة للمعرفة القائمة وعلاقات المشاركة التبادلية اليومية. وبهذا فإن عملية التعلم داخل التنظيم تساهم في رفع مستوى دقة الحاجات التنظيمية خاصة لمن يطمح في التقدم.

إن ثقافة التنظيم والثقافة العامة تعتبران كالشاطئ والبحر، أحيانا تختلط بينهما التفاصيل وأحيانا يمكن التنبه إلى أنه على أثر التدفق القوي للمياه (الثقافة العامة) تتغير معالم الشاطئ كليا (ثقافة التنظيم). وأحيانا ننتبه إلى قوة الشاطئ حين يعود البحر أدراجه وخطوط الشاطئ تبرز، وأحيانا وفي وقت العاصفة يختلطان ويمتزجان فلا يمكن الفصل بينهما حينئذ.