الحدث- كريم سرحان
في الوقت الذي أنشئت فيه منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 ، لم تحظ باهتمام رسمي من الحكومة الأمريكية. ومع ذلك ، أُنشئ مكتب معلومات غير رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في نيويورك.
في عام 1975، أي بعد عام واحد من اعتراف جامعة الدول العربية بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الووحيد للشعب الفلسطيني، أبلغ وزير خارجية الولايات المتحدة في حينها هينري كيسنجر إسرائيل، إن الولايات المتحدة لن تعترف أو تفاوض منظمة التحرير إلا إذا اعترفت بإسرائيل وقبلت بقراري الأمم المتحدة 242 و338، وقد قام الكونغرس بعدها إلى تحويل هذا التعهد إلى قانون مضيفاً إليه عبارة "ونبذ العنف".
واليوم وبعد أكثر من 40 عاما، ورغم حصول فلسطين على عضوية الأمم المتحدة كدولة رقمها 194، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعترف بفلسطين كدولة موجودة، لذلك فإنه لا يوجد للفلسطينين أي سفارة أو أي قنصلية في الولايات المتحدة لكن يوجد لديها مكتب يحمل صفة مفوضية، وهو الذي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إغلاقه بتاريخ 10-9-2018.
أنشئ مكتب رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن عام 1994، أي بعد أن تم توقيع اتفاق أوسلو، الذي اعترفت من خلاله منظمة التحرير بإسرائيل، فيما اعترفت إسرائيل بالمنظمة ممثلا للشعب الفلسطيني، وذلك عبر رسائل الاعتراف المتبادلة بين الطرفين الملحقة بإعلان المبادئ الموقع في واشنطن بتاريخ 13-9-1993، والتي قبلت فيها بقراري الأمم المتحدة 242 و338.
يُشار إلى أن المكتب الذي تم افتتاحه في واشنطن عام 1994 تم اعتباره من قبل الإدارة الأمريكية بعثة أجنبية وليس ممثلية، والبعثة وفق القانون الدولي لا تحمل أي صفة تمثيلية، ويمنع أن تدعي تمثيل فلسطين، أو استخدام اسم فلسطين، أو رفع العلم الفلسطيني. كما أن كادرها لا يتمتع بأي امتيازات أو حصانات دبلوماسية، واستمر الأمر كذلك إلى أن جاء باراك أوباما فرفع تمثيلها إلى مفوضية. والمفوضية هي عبارة عن بعثة دبلوماسية من الدرجة الثانية يرأسها عادة وزير مفوض معتمد من الرئيس ولكنه أقل رتبة من السفير.
مكتب المنظمة – مكتب إعلامي تحت مظلة الجامعة العربية
كان عمل منظمة التحرير الفلسطينية في الدول التي لم تعترف بها ممثلاً شرعيا ووحيداً للشعب الفلسطيني على شكل مكاتب إعلامية بغطاء من الجامعة العربية. وكذلك كان الأمر في الولايات المتحدة التي كان للمنظمة فيها مكتب إعلامي، يعمل باسم مكتب الإعلام الفلسطيني، والذي تم إغلاقه أيضا من قبل الولايات المتحدة، لكنه انتقل للعمل ضمن مقر جامعة الدول العربية لمدة عام، ثم عادت المنظمة وافتتحت مركز الشؤون الفلسطينية بنفس الكادر، دون أن يتم السماح للعاملين فيه بعلاقة رسمية مع المنظمة، أو استلام أموال منها.
من الإرهاب إلى الاعتراف
في عام 1984، حظر الكونغرس الأمريكي على الموظفين الحكوميين أي اتصال أو تفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية إلا إذا اعترفت المنظمة بحق اسرائيل في الوجود وبتطبيق قراري الأمم المتحدة 242 و338 ونبذ العنف.
في عام 1987 اعتبر الكونغرس الأمريكي منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، عبر إقراره في 22 ديسمبر من نفس العام قانون "محاربة الإرهاب"، والذي يعد من أسوأ القوانين، إن لم يكن أشدها عداء لمنظمة التحرير الفلسطينية. فقامت الولايات المتحدة بإغلاق المكتب الإعلامي التابع للمنظمة، ومكتب بعثتها في الأمم المتحدة في واشنطن. ولا يقتصر القانون على حرمان الفلسطينيين من تمثيلهم على أراضي الولايات المتحدة، وإنما يشمل الأمر أيضا منعهم من استلام أو إرسال أي شيء ذي قيمة من المنظمة أو صرف الأموال لها في الولايات المتحدة.
وبقي هذا القانون سارياً إلى يومنا هذا، وتم التأكيد عليه في 16 شباط 1990.
بداية الاعتراف بمنظمة التحرير وبقاء القانون
أمام اجتماع الجمعية العامة في جنيف في 13 ديسمبر عام 1988 ألقى الرئيس عرفات خطاباً ضمنه الموافقة على الشروط الأمريكية.
وفي اليوم التالي، أي في 14 ديسمبر 1988، أعلن وزير الخارجية الأمريكية جورج شولتز أن منظمة التحرير قد استوفت الشروط الموضوعة من قبل الولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة ستفتح حواراً مع منظمة التحرير في تونس في 16 ديسمبر 1988. وكانت المنظمة قد مهدت لهذا الأمر بعد انعقاد المجلس الوطني، وإقراره في جلسته التاسعة عشرة إعلان قيام دولة فلسطين والقبول بالتوصل إلى تسوية سياسية شاملة عبر عقد مؤتمر دولي على قاعدة قراري مجلس الأمر رقمي 242 و338.
جورج بوش
في عام 2002، قرر الرئيس الأمريكي جورج بوش تخفيض تمثيل المكتب التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية بحجة عدم احترام منظمة التحرير الفلسطينة والسلطة لبعض تعهداتهما الواردة في اتفاقات أوسلو، والتي تشمل أيضا قبول قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وحل الخلافات مع إسرائيل بالتفاوض والطرق السلمية، متذرعة بتوقف عملية السلام ونشوب انتفاضة الأقصى عام 2000.
باراك أوباما ورفع العلم الفلسطيني
خلال فترة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، تم في شهر تموز 2010 رفع مستوى بعثة منظمة التحرير لمستوى بروتوكولي أعلى من المستوى التمثيلي السابق، لتصبح "المفوضية العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية". وسمح باراك أوباما برفع العلم الفلسطيني لأول مرة فوق مبنى البعثة.
كما عملت إدارة الرئيس أوباما على رفض طلب تقدم به 32 مشرعا أمريكيا في الكونغرس بتاريخ 18 ديسمبر 2015 يقضي بإغلاق مكتب منظمة التحرير، بذريعة أنه لا يقدم أي فائدة للولايات المتحدة أو لعملية السلام.
فيما ردت إدارة باراك أوباما على أن الإغلاق سيعني إلحاق الضرر بالجهود الأمريكية الرامية لتهدئة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويدعم جهود الولايات المتحدة في إحلال السلام وتحقيق حل الدولتين.
في عهد ترامب
في عام 2017، وبعد أن أصبح دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، توالت الكوارث على القضية الفلسطينية، التي لم يكن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن سوى أقلها.
وكان قرار إغلاق المكتب بالكامل قد لاحت بوادره بعيد أن أبلغت إدارة ترامب منظمة التحرير في 17 نوفمبر 2017، بأنها ستغلق المكتب بسبب تصريحات مسؤولين فلسطينيي تعهدوا بملاحقة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائمها ضد الفلسطينيي.
وتشترط الإدارة الأميركية على الفلسطينيين في مقابل السماح بعمل مكتب منظمة التحرير في واشنطن بأن يتوقفوا عن ملاحقة إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية والدخول معها في مفاوضات مباشرة.
وتقول إدارة ترمب إن خطوتها بعدم تجديد ترخيص مكتب منظمة التحريرلا ترقى إلى مستوى قطع العلاقات مع المنظمة، كما أنها لا تشير إلى نية لوقف العمل مع السلطة الفلسطينية، لكن ترمب سيقرر في غضون 90 يوما ما إذا كان الفلسطينيون منخرطون في محادثات سلام "مباشرة وهادفة" مع إسرائيل.