الإثنين  30 كانون الأول 2024

حدثني عنترة العبسي ح5 قال: أيا ليلُ!! بقلم: أسماء ناصر أبو عيّاش

2018-09-13 11:34:34 AM
حدثني عنترة العبسي ح5 قال: أيا ليلُ!!
بقلم: أسماء ناصر أبو عيّاش
أسماء ناصر أبو عيّاش

عندما غير عنترة وظيفته فارساً ليستبدله بالحداء مطلقاً حنجرته بموال "آه يا ليل" الذي استعارته بعد قرون شيرين عبد الوهاب! قلت يا سيدي وأنت الفارس كيف يكون لك ذلك! دع الغناء للقيان وعد حامي حمانا. استل جذوة من موقد النار أضاءت جانب وجهه الذي تماهى مع حلكة الليل وأشعل تبغ (البايب المصنوع من خشب الماها جوني المستورد) وسحب نفساً وقال بحسرة: أيا ليل يا سيدتي وليست آه يا ليل.. سجلي بصدر صفحة (الحدث الإليكترونية) من ذاكرتي:

في شهر أيلول من العام 1944 وافقت بريطانيا وهي الدولة المنتدبة في فلسطين، والتي بدأ انتدابها في شهر أيلول من العام 1922، على تشكيل لواء يهودي داخل الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، وقد كان لهذا اللواء الدور الرئيس في احتلال أرض فلسطين، إذ من خلاله تم تمرير كميات ضخمة من الأسلحة إلى المجموعات والعصابات اليهودية، التي كانت تعمل وتخرب في فلسطين، وكان هذا اللواء هو نواة القوات العسكرية الإسرائيلية التي تشكلت فيما بعد، حيث بدأ بشراء واستيراد الأسلحة من دول أوروبا الشرقية تحت رعاية وحماية القوات البريطانية.

وفي أيلول من العام 1982 وقعت مذابح صبرا وشاتيلا في بيروت، والتي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني من سكان المخيمين، فكانت مذابح دموية، ومجازر بشعة نفذتها قواتٌ لبنانية متعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي كان حينها في لبنان بقيادة أرئيل شارون، الذي أشرف بنفسه من موقعٍ قرب السفارة الكويتية في بيروت على سير المجازر البشعة بحق اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية.

وأما العام 1993 فقد شهدت أكبر المآسي الفلسطينية بحق الشعب الفلسطيني وأجياله القادمة، عندما أقدمت منظمة التحرير الفلسطينية على الاعتراف بشرعية الدولة الإسرائيلية، وتبادلت مع الحكومة الإسرائيلية رسائل الاعتراف المتبادل بينهما، فرفضت المقاومة المسلحة، واعتبرتها شكلاً من أشكال الإرهاب والعنف المرفوض، واعتبرت ممارستها مخالفة للقوانين والاتفاقيات، لتؤسس بذلك لحقبةٍ سياسية جديدة، أدخلت الشعب الفلسطيني على إثرها في متاهاتٍ سياسية، وصراعاتٍ فصائلية، واختلافاتٍ بينية كثيرة وعميقة، ومن قبل وقع الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية في الثامن عشر من شهر أيلول من العام 1978 اتفاقية كامب ديفيد للسلام، والتي بموجبها خرجت مصر عن الإجماع العربي، وتخلت عن دورها في القضية الفلسطينية، الأمر الذي مكن إسرائيل من الاستفراد بالدول العربية وبفصائل المقاومة الفلسطينية.

وفي هذا الشهر من العام 1995 وقع الرئيس ياسر عرفات مع شيمعون بيريز الذي كان وزيراً للخارجية الإسرائيلية اتفاق طابا الشهير ذي المراحل الانتقالية، الذي قسم أراضي الضفة الغربية وصنفها إلى ثلاث مناطق، وفقاً لمدى كثافتها السكانية، وقربها من المستوطنات الإسرائيلية، وفي هذا الشهر من العام 1996 اجتمعت السلطة الفلسطينية لأول مرة مع بنيامين نتنياهو الفائز في الانتخابات الإسرائيلية على شيمعون بيريز عشية حرب عناقيد الغضب التي شنها الأخير على المقاومة الإسلامية في لبنان، وفي هذا الاجتماع تم وضع الخطوط العامة وتحديد الأهداف الكبرى لمحاربة المقاومة الفلسطينية، وتصفية قيادتها، واستهداف مقراتها ومؤسساتها، وتجفيف منابعها، ومحاربة المنتمين إليها، فكان ما بعد أيلول عام 1996 من أسوأ ما واجه الشعب الفلسطيني على أيدي فئة من أبنائه، وبرعاية وإشراف سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

أما على المستوى الدولي فإن هجمات الحادي عشر من أيلول لعام 2001 فقد كان الحدث الأكثر سلبية على الأمتين العربية والإسلامية، إذ على إثرها احتلت جيوش الولايات المتحدة الأمريكية ودول الحلفاء أراضي دولتين عربية وإسلامية، ونفذت فيهما مجازر دموية ضد الملايين من سكانهما، وارتكبت بحقهما جرائم دولية وأخرى ضد الإنسانية، وتركت أحداث أيلول الأمريكية ظلالاً سيئة جداً على العرب والمسلمين الذين اتهمتهم إدارة جورج بوش بالمسؤولية، مما انعكس سلباً على وجودهم وتأثيرهم في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية، ومازالت الأمتين العربية والإسلامية تعانيان الكثير من آثار وتداعيات عمليات الحادي عشر من أيلول الأمريكية. ولكن شهر أيلول لم يتوقف عن الدوران، وأحداثه لم تجمد على حال، فما زال أيلول نشطاً، يلد كل عامٍ ما هو غريب وجديد، ويترك من جديد على الشعب الفلسطيني وقضيته المزيد من الآثار، ولكن بعضها لم يكن حزيناً ولا مأساوياً، ففي هذا الشهر من العام 1951 منعت السلطات المصرية الملاحة الإسرائيلية والدولية المتوجهة من قناة السويس إلى الكيان الصهيوني، وشددت حصارها عليه، وأكدت على التضامن العربي المصري مع الشعب الفلسطيني وقضيته، ومن قبل انتصر المصريون على التتار الذين غزو المنطقة العربية في موقعة عين جالوت الشهيرة، واستطاعوا أن يستعيدوا الكرامة العربية والإسلامية التي أهدرها المغول، وأن يثبتوا لكل الغزاة من قبل ومن بعد أن الضعف العربي لا يدوم، والتغول الأجنبي والاستعمار الخارجي حتماً سيزول.

وفي أيلول من العام 1972 تمكنت مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين من اقتحام مقر البعثة الرياضية الأولمبية الإسرائيلية في مدينة ميونخ الألمانية، واستطاعت احتجاز أغلب الفريق الإسرائيلي المشارك في دورة الألعاب الأولمبية، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بالإفراج عن أكثر من مائتي معتقل وأسير عربي وفلسطيني في سجونها، ولكن تدخل القوات الألمانية أدى إلى فشل العملية، ومقتل جميع الرهائن الإسرائيليين.

وفي شهر أيلول من سنواتٍ مضت تمكنت المقاومة الفلسطينية المسلحة من تنفيذ العديد من العمليات العسكرية والاستشهادية، التي أوقعت في صفوف العدو الإسرائيلي عشرات القتلى والمصابين، وعلى إثر ضربات المقاومة الفلسطينية وعملياتها الموجعة، اندحرت قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة في الثاني عشر من أيلول عام 2004، وتخلت عن جميع مستوطناتها فيه، ليكون قطاع غزة ثاني منطقة عربية تتحرر وتخرج منها قوات الاحتلال بفعل القوة والمقاومة.

وفي الثامن والعشرين من أيلول عام 2000 تفجرت انتفاضة الأقصى المباركة، إثر زيارة أرئيل شارون إلى المسجد الأقصى المبارك، ودخوله في ظل حراسة ثلاثة آلاف جندي إسرائيلي باحات الحرم، مما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي امتازت بقوتها وعنفها وجسامة الخسائر التي تكبدها الشعب الفلسطيني. وفي أيلول 2011 حاصر الشعب المصري سفارة العدو الإسرائيلي في القاهرة، وهدموا الجدران التي تحصنها، وانتزعوا الأسلاك التي تسيجها، وأجبروا سفير الكيان والعاملين معه على مغادرة مقر السفارة، وترك القاهرة على متن طائرة عسكرية إسرائيلية ربما إلى غير رجعة، فأسس شهر أيلول لمرحلةٍ جديدة من الصراع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، سيكون لمصر فيها دور الريادة والقيادة والصدارة.

انتهى