الأحد  22 كانون الأول 2024

اعترافات ليليّة 5 بقلم: مهند ذويب

2018-10-01 09:40:13 PM
اعترافات ليليّة 5
بقلم: مهند ذويب
مهند ذويب

منذُ اعتِرافي الأوّل عن المِسمار، والغُرفة، وتعليق الوجوه –الأقنِعة، خَرجتُ من جوهَر الأشياء إلى قُشورِها، وقرّرت الانعتاق من التّفاصيل. انعتاقٌ يشبه صُعوبة الخُروج مِن القَطيع، صُعوبة دخول تجربة جَديدة على قلبٍ مستعمل حدّ التّلف، أو دهشة حقيقيّة على رجلٍ شيخ فقد الدّهشة من صِباه بعدَ أن كشفت له صَديقته المقرّبة أنّ أصدقاءَه يحضّرون مفاجأة لعيد ميلاده، ومنذ ذلك الوقت، ومنذ اضطر تصنّع الدّهشة، اعتادَ الأمر، كما اعتدتُ الحياة: وحدي بينَ الجميع.

غريبة هي المُدن، لا، أعني غُرباء نَحن في جَوف المُدن، نعرفُ هياكِلها الخارجيّة فقط، تأكُل منّا لتطعم سكانَها الأصليين الذين خانوها، مع العَواصِم الأخرى، لا يُهمّني كلّ هذا، ولم يَكن يهمّني، فمنذُ وصلتُ عمّان، أو قبل أن أصِل وأنا منشغلٌ بمدينة أكثر صخبًا، امرأة على هيئة مدينة تزحفُ بجيشها إليّ: "تقدّم للأمام"، أو إلهة على هيئَة كون جَديد، لهذا ومن باب المُصادَفة المحضة لم أعِر المدينة اهتمامًا كما يَجب، ولا أندَم على هذا، ليسَ لأنّني لا أندَم على شيء، بل لأنّني هذه المرّة تحديدًا ندمت على كلّ ما مضى: مكانِكِ ذاتِه، بائِع الورد، المسمار، الأقنعة، العُزلة، القراءة، لأنّ "كلّ لا نهرٍ لا يَصبّ فيها، (هذه البحر) ناشِف، وكلّ طريق لا يؤدّي إليها، (هذه الجنّة) لا يَصل".

على أيّة حال، فإنّ ثلاثة أيامٍ كافية لفعل أيّ شيء، أيّ شيء ككتابة ردٍ فلسفيّ من ألفِ كلمة على عرّافة الحيّ، التي تقرأ فناجين الآخرين، لماذا عليّ أن أفلسفَ الأشياء؟، إنّ قبلة واحِدة أمامَها الآن، وأخرى في العامِ القادم تَكفي لكي تعتزل هذه المِهنة، وتتفرّغ لحلب ماعِزها الأعرج، وأقصد قول ماعِزها بلا أي إشارة للتأنيث.

الإهداءات أصعبُ ما يُمكن كتابته، كالمقدّمات، ثلاثة أشهر حتّى كتبت مقدّمة عملي الجَديد، ثلاثة أشهر أخرى حتّى قمت بتعديلها، وثلاثة آلافِ عام حتّى كتبت إهداءً بلونٍ بنفسجيّ:

ليسَ سهلًا أن أكتبَ لكِ أو عنكِ، أحتاجُ ثلاث سنوات حتّى أفهمك، وثلاث سَنوات حتّى أريكِ ما أرى، وعندما يشيب قلبي الطّفل سأكتب جملة واحِدة، خيارًا واحِدًا: "كيف ستستطيعينَ قتلَ نبوءة عرّافة الحيّ؟"، "كيفَ استطعتِ قتلَ نبوءة عرّافة الحيّ بالمِبرد؟"، "قد صَدقت عرّافة الحيّ!".

ثمّ رسمتُ توقيعي الغَريب جدًا فوق هذه الكَلمات، التي أجربت عليها بالضّروة ثلاثة تعديلات الآن، توقيعي الذي تحدّاني موظّف البنك لأجله: أعد كتابته ثلاثة مرّات بنفس الشّكل، وفزت بالضّرورة؛ لأنّ تعرجاتِه تشبه تعرّجات الرّحلة، تعرّجات عقلي متعدّد الأقنِعة.

كلّ هذا الهُراء أنساني أن أقول أنّني اعتَدت الجُلوس على كرسيّ الاعترافِ أمام الوَرق، لأنّ الكتابة فعلٌ يرتَبط بالخزّان الذي سينفجر، والذي لم يدقّه أحد، لكنّني وجدتني أعترفُ لغير الورق، أنظر إلى عينين قادِمتين من الصّحراء فأعترف صامتًا بكلّ شيء، ثمّ أجدني مضطرًا للكِتابة، لا لأفرغ شيئًا فيّ، بل لأوثّق هذه اللّحظة، وشتان بين الفعلين.

تقدّست الصّدفُ أكثر من ثلاثين ألف مرّة في كتابِ الحياة، لهذا أجدني مضطرًا لتقديسها مرّة أخرى، حينَ تأتي كما رسَمتها بخطّ الرّصاص في مخيّلتي لا عليها، تقدّس الجيشُ الذي يحتلّ البلادَ بلا قطرة دم، وبثلاثة أيام، بلا ألمٍ أو فقد، وبثلاثة أيام، بلا عتادٍ أو سلاح، وبثلاثة أيام، لماذا ثلاثة أيام، وثلاثة أشياء؟ باختِصار لأنّها تحبّ الرّقم: 3!: أنا وهي وثالثنا.... .

 

01/10/2018