الأحد  22 كانون الأول 2024

"المزبلة" التي جمعتنا مع الإسرائيليين قرب رام الله (فيديو)

2018-10-25 10:54:24 PM
مكب النفايات بجبل المقطم بيت لقيا

 

الحدث ــ محمد بدر

كنت دائما أسمع بأن "هناك ما يوّحد الشعبين؛ الفلسطيني والإسرائيلي"، وفي الحقيقة هذه العبارة سمعتها من قادة كبار فلسطينيين وإسرائيليين، وبحثت كثيرا عن شيء يوّحد شعبنا وما يسمى بشعبهم، لكنني وجدت أن بحثي في السياسة قاصر، لأنني ما زلت مقتنعا بأن كيانهم زورا يسمى "دولة"، ومجموعة المدن التي تخضع للسيطرة الفلسطينية تمنيا تسمى "دولة". وما بين "التمني" و"الزور" الخيال.

قبل أشهر، كنت أجلس في مغسلة للسيارات، وفجأة انطلق عامود دخان، كما لو أن قصفا نوويا وقع بالقرب من بلدتنا.

صاحب المغسلة: "والله هالحرايق لازم توّقف.. يعني الناس كلها صار معها سرطان".

أنا: طيب مين بوقف وراها!

تدخل شاب كان يمازح ابنه وما كنت أظنه يستمع لحديثنا: "في ناس مهمتها التخريب، يعني أنا والله صرت أخاف أنه أولادي يصيبهم أمراض.. المزراع بشكي وصاحب المحل بشكي.. طيب اللي بعمل هيك كمان هو راح يتضرر".

بعيدا عن هذا النقاش، ومن مكتبه في تل أبيب، نشر المنسق الإسرائيلي لشؤون "مناطق السلطة" منشورا على الفيسبوك، كتب فيه: "بالتعاون مع الجانب الفلسطيني بدأ العمل على اخماد الحرائق لوقف تصاعد قبل اتخاذ الإجراءات وإغلاق الموقع.. العمل على اخماد الحرائق ووقف تصاعد الدخان يتم بواسطة آلات هندسية وجرافات تابعة للمجالس المحلية الفلسطينية بيت لقيا وبيت عنان وبمشاركة شاحنتين من قبل وحدة جودة البيئة في الإدارة المدنية بدأت تغطية الحرائق بالتراب.

وأضاف المنسق في منشوره: "حتى اليوم تم تفريغ 21 شاحنة محملة بالاتربة على مراكز الحرائق وتصاعد الدخان والمتوقع استمرار العمل حتى تغطية الموقع بأكمله بالتراب لوقف انبعاث الدخان ومعه الغازات السامة والمضرة بالإنسان وبالبيئة وبالحيوان". وحتى لا أنسى، هو بدأ حديثه بعبارة "يا أهالي بيت لقيا الكرام" واختتم منشوره بـ"نعمل لخدمتكم".

كانت الصدمة بالنسبة لي، كيف يمكن لبعض أهالي بيت لقيا، بلدتي التي كان لها دور مهم في مقاومة الاحتلال، أن يصدقوا "ذئبا في ثياب الواعظينا". رأيت من التعليقات ما يسيء، تعليقات يبدي أصحابها احتراما كبيرا لهذا النشاط من قبل من هذا الضابط الإسرائيلي. المنسق الذي كان حينها "يوآف مردخاي"؛ صاحب التاريخ العريض بتجنيد العملاء على عدة جبهات؛ في لبنان والضفة الغربية. بعد أنهى عمله، نشرت الصحف الإسرائيلية تقاريرا عن حياته، ليتبين أنه لم يكن ذئبا بثياب الواعظينا، بل ضابط استخبارات محترف.

في الحقيقة، أنا أؤمن كثيرا بنظرية المؤامرة، وبدأت أبحث عن سبب استيطاني دفعهم للقيام بهذه الخطوة، المنطقة المقصودة محل اهتمام إسرائيلي. ولكن لا يمكن الجزم بفرضية معينة بدون مؤشرات حقيقية. لكنني أبدا لا يمكن أن أصدق أنهم يفعلون ذلك لأجلنا.

الحرائق استمرت، وسمعت أن الجيش الإسرائيلي تدخل في إحدى المرات وحضر لمكان الحريق في محاولة لاستكشاف من يقوم بذلك. الجيش! نعم الجيش جاء!. الجيش الذي يقصف في غزة! نعم جاء ليرى من يقوم بذلك.. حفاظا على صحتنا! من يمنع أهل غزة من السفر للعلاج! نفس الجيش! من جرّب فينا كل أنواع السلاح وأنطق لحمنا بكل ألوان الدخان!.. يا لسهولة الإجابة وإشكالية الوعي.

يوم ممل، صيفي في غير موعده، ما زاده بؤسا هو شح الأخبار العبرية وبالتالي أنا بلا عمل. في الحقيقة، عندما أتصفح المواقع العبرية لترجمة الأخبار، في العادة أتصفح الزوايا الأمنية وبدرجة أقل الزوايا السياسية وبدرجة يائسة الزوايا التي تتعلق بالشأن الإسرائيلي الداخلي.. بؤس ذلك اليوم، قادني لزاوية الأخبار الإسرائيلية في موقع القناة السابعة، ولفت نظري كلمة "موديعين". "موديعين" تعني المخابرات، وبالتالي خبر مهم يجب ترجمته، و"موديعين" "مدينة إسرائيلية مقامة بالقرب من بلدتنا". نائب وزير جيش الاحتلال المتطرف يزور المدينة ويتعرض لسؤال محرج من السكان: "ماذا فعلتم مع حرائق الفلسطينيين في مكب نفاياتهم؟".. "هذا إرهاب بيئي وهؤلاء متخلفون ونحن نقدّر شكواكم ونعمل للحفاظ عليكم، وقد نضطر لإنشاء مكب نفايات جديد لهم" يرد نائب ليبرمان. قناعتي، أن لا شيء يجمعنا بهم سوى دخان "المزبلة"، ولا أدري ما الذي يجمع بين تصوري الأخير هذا ومرور 25 على اتفاق أوسلو.