الأحد  22 كانون الأول 2024

" آدم وإبليس " سر الحياة بقلم: سهير السمان - اليمن

2018-11-11 12:17:37 PM
سهير السمان

الحركة الدائبة للكون وللمجرات وللحياة من أصغر دقائقها إلى أكبرها هي الحقيقة الوحيدة التي نقف أمامها . وهذا يفسر طبيعة كل شيء ويفسر أبعاد النفس البشرية التي لا تثبت على حال وإن ثبتت فإنه يحق علينا أن نقول أنها تكلست وماتت. التغير والتبدل والتطور والارتقاء هو ما وصل إليه الإنسان عبر ملايين السنين. فكيف لنا إذا أن نسلم بما هو فكري ينتجه الإنسان أو يخطه في فترة من الفترات ويصبح عقيدة يخضع لها العقل البشري مئات السنين ؟ أليس هذا أدعى أن يفسر لنا الجمود وتعطل العقل عن التفكير مجددا. إن وضعية الاطمئنان التي نعيش عليها بالاكتفاء بما قاله آباؤنا وأجدادنا وكتبه علماء اجتهدوا في عصرهم، وقدسهم من بعدهم إنما هو الكفر بعينه، الكفر بسنة الحياة والطبيعة التي خلقها الله وعلى أساسها خلق آدم والشيطان، لينتج الجدل والصراع والذي من خلاله تتقدم البشرية، فما الخير والشر إلا وجهان لعملة واحدة.

فالمجتمع الإنساني لا يستطيع أن يعيش على الاتفاق وحده لا بد أن يكون هناك في الجهة المقابلة تنازعا ومنافسة، ولكنه يجب أن يكون تنازعا قائما على مبدأ قيمي لا مبدأ شخصي. ومن يركز على مبدأ الاتفاق وحده الذي يجب أن يكون بين البشرية فإنه يسلم بمبدأ السكون والجمود.

آدم والشيطان مخلوقان من أجل الحركة والصراع والحياة، فلو لم تكن جدلية الله والشيطان لما كانت الحياة على الأرض ووجود الإنسان فيها، عصيان ابليس ورفضه امر السجود، تركه إلى يوم يبعثون . يقول الشهرستاني:  إن إبليس احتج على ربه ووجه إليه سبعة أسئلة: إذا كان الله قد علم ما يصدر عني قبل خلقي فلماذا خلقني؟  

  • وهو قد خلقني بمقتضى مشيئته فلماذا كلفني بمعرفته وطاعته وما الحكمة في هذا التكليف مع أنه لا ينتفع بطاعتي أو يتضر بمعصيتي؟
  • وهو أين خلقني وكلفني الزمت بطاعته فلماذا كلفني بطاعة آدم والسجود له
  • وإني لم أرتكب قبيحا سوى قولي لا أسجد إلا لك وحدك فلماذا لعنني وأخرجني من الجنة؟
  • وبعدما لعنني وأخرجني فتح لي طريقا لأدخل إلى آدم وأسوس له ليأكل من الشجرة المنهي عنها وهو لو كان منعني من الدخول إلى الجنة لاستراح آدم وبقي خالدا فيها؟
  • ولماذا سلطني على أولاد آدم حتى صرت أراهم و لا يروني، لماذا لم يتركهم على الفطرة التي أحرى أن يكونوا عليها؟
  • وهو بعد ذلك أمهلني وأجلني إلى يوم يبعثون فلو أنه أهلكني لكان استراح آدم وذريته ؟  

كانت الحياة على الأرض إذا من كلمة " لماذا؟ وإن لم تكن فلن يكون هناك داعي لخلق آدم على الأرض لأنه لم يخلق للجنة في الأساس إنما كان القرار هو" إني جاعل في الأرض خليفة " وليس الجنة.

فكانت المتناقضات والجدل شفرة المعرفة، فالشيء لا يعرف إلا بنقيضه كما يقول المتصوفة. و يقول ابن خلدون: قد لا يتم وجود خير كثير إلا بوجود شر يسير من أجل المواد فلا يفوت الخير بذلك على ما ينطوي عليه الشر اليسير وهذا معنى وقوع الظلم في الخليقة فتفهم....." وهو منطق جاء به العلم الفلسفي الحديث كما نراها في  فلسلفة هيجل .

قصة آدم و إبليس قصة رمزية وعتها البشرية منذ القدم وذكرتها في موروثات عديدة  قبل أن يذكرها القرآن وإن جاءت بشكل أسطوري إنما هي محاولة  لتقريب المعنى المجرد  وتجسيده في  صور يستوعبها العقل البشري الذي كان لا يقبل بالمجردات من قبل . فهي دليل  تبلور فكرة المتناقضات  وسر الحياة في التشابك والتفاعل والتناقض في الأشياء.