الأحد  22 كانون الأول 2024

اللغة الفجرية والليلة الأولى بقلم حسن صالح

2018-12-03 07:54:16 AM
اللغة الفجرية والليلة الأولى 
بقلم حسن صالح
حسن صالح

(1)

في حكايات الهوى، ثمة موال لم نقله بعد

كان صوت شبابةٍ شجية

والهوى لحنهُ عذاب وجمال

(2)

كانا في الطريق الى الوطن، النهر هائج والمطر ثقيل، نظر في عين صاحبه، كانتا حادتين وباديتن كعين صقر رغم الظلمة، فهم أنه لا يمكن العودة، ولا بد من اجتياز التيار الصاخب، قال هو الحبل نربطه على الجهة الغربية، ومن ثم نتمسك بالحبل ونجتاز فجاجة التيار وسخط اندفاع ماء النهر، حاولا أكثر من مرة ولكن التيار القلق والهادر جرفهما بعيداً بعيداً، واراد ان يتمسك بصخرة بدت له كالأمل وتحتاج لجهد كبير ومغالبة النهر حتى يصل لها وكانت غير بعيدة عن جدار النهر الغربي فتسلقها وقفز مرات حتى وصل الأرض الغريبة وهو لا يكاد يصدق نفسه وانه الان. في الطريق الى الوطن، تتالى الصعاب والحواجز والعراقيل، وكأنها تتحدى ارادتك وعزمك وقدرتك على المواجهة والوصول الى الهدف وصد خيالات ووهم رفع وربما غزل التراجع والاستكانة وربما الخوف من المجهول وبجاحة التيار وتدفق مائه في هذا الوقت من العام، يعطيك سبباً مشروعاً لو تراجعت، ومرة أخرى هو الوطن والمشوار والتدريب الذي كان وعيون القائد لحظة الوداع، وهزة يده القوية وهو يقول ...نحن بانتظار الاخبار الطيبة من البلاد...

انه الطريق الى البلد يكون باجتياز النهر الصعب

(3)

لعينيها لغةٌ فجرية،

ونمضي للنهار نمسك ناي الحياة حتى يكون اجتياز الجمر والحصى

وفي الفجر تكون الحياة في لحظة الصدق والامل الكبير، وفيها نصنع حياتنا الموعودة.

(4)

كان صوتها نديا والصباح يختال مع امتداد الشمس البهية

ومع الصباح تصير للكلمات طعم الحقيقة، ولون الصدق

ما أطول الطريق للبلد...

وكم نحتاج لقدمين ثابتين لا ترجفان قبل تسلق الجبل العالي في الطريق الطويل يصير للرفقة ذكريات المشوار والمعنى المشترك لرجفة الخوف وقوة المواجهة وخاصة الرعشة المشتركة في تسلق رجفة ماء النهر الغاضب ...ما أطول الطريق للزمن الجميل وللحرية

(5)

في تلك الليلة المثقلة بالحر والعرق والتعب الثقيل كان الحوار محتدا ويحتد أكثر كلما اقترب من التشخيص للراهن السياسي، فلكل رأيه ولكل كلماته المحددة وتعبيراته الحادة او العادية، وقال اكبرهم ذو الشعر المخلوط بالبياض، حسب تجربتي وعملي الطويل في النضال السياسي فما نراه الان لم يمر بنا من قبل، رغم غرابة وفداحة ما مر بنا.

قال احمد سريع الكلام والغضب ... يا عمي شو بدنا بالحكي، الحياة صارت صعبة اليوم هاجر اثنان من اصحابي وضاربي الحجر أيام الانتفاضة، كان الحزن يملا عيونهم وايديهما ثقيلة، ووجههما فاقد لذلك البريق الذي كان وللكلام الذي كانت تقوله العيون في زمن الانتفاضة كانت النظرة توزعنا على المفارق وتدلنا على أماكن خزينِ الحجارة.

في الحياة دائما قلقها ولها مسارها ومشاقها وللطريق الممتد الى الحرية يكون الوقتُ الصعب وحيرة القدم في المسير حين تخطئ المسار...او التقدم للأمام.

صمت الجميع الا من صوت... بدا يردد اغنية قديمة معروفة

على بلدي المحبوب وديني

ما توديني والبعد كاويني ..

(6)

في بلاد هناك

كان الناس يضحكون

وفي بلاد هنا

صارَ الناس لا يضحكون

(7)

لا حياة في عروق المدينة

قالت...بل لا حياة في عروق الكلام

وأضاف كان كلامي قبل المساء

وفي الصباح نسي الكلام ضرورة المجيء

وقيل ان الكلام ظل نائما في سرير الليل

(8)

كانت ليلته الأولى في القاعدة في الجنوب، وما ان وصل حتى لاحظ ان الكل منهمك ومشغول وقليل الكلام أشار له امرُ القاعدة بان ينفذ ما يطلب منه فقط، قال له يبدوا ان الك جئت وجبت المعركة معك تبسم قليلا وفي داخله صار الكلام الم اتي الا هذه الليلة

وفجاه قال له "أبو الخل " وهناك في غرفة بعيدة وأقرب الى بيوت القرية أعطاه الكلاشنكوف وعدد من القنابل وكثير من الرصاص وسلمه قبل ذلك بدلة جيدةُ الحياكة نسارع الى ارتدائها فوق ملابسة المدنية في الشنطة الصغيرة التي لا زال يحملها

الو...من س ع-الى الجميع كل الى الخضراء

سحب أبو الخل الفدائي الجديد وبسرعة عالية صارا في موقعهما على تلة موازية للقاعدة

وعند المعركة يصير اغلب الكلام ايماءة بالعيون او هزة في الرؤوس.

وعند الاشتباك تصير لغة العيون والاشارات سيدة المواقف

قال له لتكن اصابعك على الزناد واذنك كثيرة الحساسية مد يديه الى قلبه فوجده ساكنا رغم النبضاتَ المتسارعة همس عاليا كأنه ينبهُ روحه...هي المعركة الان يا حظي حتى المعركة الأولى قبل القبلة الأولى