الأحد  22 كانون الأول 2024

"ما تيسر من الحب" أحمد زكارنة

2018-12-10 08:46:55 PM

قرأتُ قبلَ يومينِ مقالاً قديماً نسبياً لمفتي الجُمهورية المصرية السابق الشيخ الدكتور على جمعة بعنوان "أعلنوا الحب" ويتحدثُ فيه عن مفاهيمِ الحبِ الذي افتقدناه، ومعانيهِ التي التبست حدَّ التماهي مع قشورهِ الهشة التي تُحيلنا للمعنى الدقيق للظاهرِ والباطن. كوننا فقدنا فهمَ الأشياء من حولنِا حينما فقدنا الحب.

والحبُّ لا شكَ إن طلعتَ شموسُهُ، غَرُبت كلّ همومِ الحياةِ ومآسيها.. قاموسٌ من أنبلِ العواطفِ الإنسانية.. إيثارٌ وعطاء.. ميلٌ ووفاء، وإن أردنا قُلنا إنه النارُ التي لا تُطفئُها ماء.

هو الحبُ، بَصر المحب في عينِ قلبِ المحبوب، استدراكاً مبكراً لمعنى تجلي الإله على الأرض وبين البشر. ولكن ما تحدث به جمعة موجهاً كلامَهُ إلى عوامِ الناس، بحاجةٍ ماسةٍ لاستيعابِ رجالاتِ المنابرِ وخاصةً الدينية منهم أولا، وهم يحصرونَ الناس في فئةِ المسلمين، فيما اللهُ سبحانَهُ وتعالى وجهَ كلامَهُ في كتابهِ الكريمِ إلى الناسِ جميعاً، وهو المُفتتحُ العديدَ من آياتهِ بالقول: "يا أيُّها الناس...." بل وذهبَ في التخصيصِ بالقول: "وجعلناكُم شعوباً وقبائل لتعارفوا" إلى آخرهِ من آياتِ الذكرِ الحكيم، أي أنهُ يقولُ بشكلٍ لا لبسَ فيه إن الناسَ عوالمٌ في عالمٍ يُسمى الحياة.

وهذا يعني أن أخطرَ فئتين تسببتا ولا تزالا في انحدارِ مفاهيمِ الحبِ هم فئتي الخطباءِ وأصحابِ الكلمةِ من كتابٍ وصحافيين وإعلاميين، وهم الأولى بتوجيهِ الخطابِ إليهم، لا ليُصدروا صكوكَ الحلالِ والحرامِ، ولكن ليتقدموا خطوةً للأمامِ في فَهمِ القول، وخطوتينِ للخلفِ في تأكيدِ الأقوال، كي يدفعوا الناسَ إلى الاجتهادِ، لا إلى تبني المفاهيمِ بوصفها قوالب جاهزة، وفي الاجتهادِ نصيبٌ كبيرٌ للسؤالِ، ليتوارى اليقينُ بفعلِ فاعل، هو السؤالُ، والسؤالُ أصلُ الفكرة، والفكرةُ سرّ الوجود، ولأن الإلهَ فكرة.

نعم ما أحوجنا إلى الحبِ.. إلى رفعِ منسوبِ الرُّوحي على حسابِ المادي.. إلى الخيالِ وتجلياتهِ.. والأهمُ إلى السكينةِ في البراءة، براءةُ استنباطِ المعنى كلٌّ حسبَ فَهمهِ وإحساسهِ لهذا المعنى.. وأهمُ الأهمِ، إلى ممكناتِ التأويلِ ونحن نقرأُ ابن الفارض وهو يقول: "هو الحبُّ فآسلم بالحشا، ما الهوى سهلُ" وتجلياتُ قاسم حداد ونحن نرددُ من ورائهِ: "قُلْ هو الحبُّ" وهذا ما تيسرَ منهُ لنعلنَ الحبَّ نهاراً جهارا.