الأحد  22 كانون الأول 2024

أشرف نعالوة وشهادة المخيم

2019-01-28 06:39:49 AM
أشرف نعالوة وشهادة المخيم
أشرف نعالوة وشهادة المخيم

الحدث ــ هدالة اشتيه

كيف إذن ستمضِ هذه الليلة كسابقاتها؟ بعد أن تخضّبت آمالُ أخته بالسواد، وتخضّبت جدران بيت بشكار بالأحمر، وتخضّبت عيونُه بالنّور، هل وصل الليالي بالأنهُر، هل وصله أحد؟ أم أنّ كتابه وعينيه بقيتا في هدوءٍ ووحدة إلى قبل أن يرحلَ بقليل؟ 65 يوماً ماذا صارعَ بها؟ وكيف صارعَ بها ومن؟

انسابَ في الوطن كما ينسابُ الماءَ في قارورة، وتصدّعت أجزاؤه كما يتصّدع الصخرُ من كثرة الضرب، خرّت قواه ليلةً بعد ليلةً، يستعيدُها في كلِّ صباح قوة أخرى، كأنما جُبلت مرةً أخرى في قوالبَ متعددة، لا تتشابه ولن تتشابه مع غيره أبداً.

تنّقل من دون أدنى أثر، نفّذ ما يريد ثم انطوى مع الأيام بسلام، ثأرَ لوطنه، ثم انقضى راكعاً لعظمةِ وطن، مجيباً لنداءِ الحب والأمِ والاخوة، كما نادته تلك المكلومة من بعيد، هو في الأعالي وهي تبكيه على أرضٍ ليست ككل الأرض، تمسّحت بخضابِ دمه وسال الدمع، هنا أشرف كان، هنا قضى وانقضى، خبطت خطاها أرضَ بيتٍ كانت قد سمعت كلماته ليلاً، وقرأ الضوء مع عينيه نصاً من كتابٍ مليءٍ بالظلام.

لم ينتهِ ولم تنتهِ أيامه، هي فقط تنقّلت من عهدته إلى غيره، سّلمها بالرصاص والدم، وقليلٍ من الذكرى وبعضِ صورٍ التُقِطت على عجل، في ساحات شويكة وربما في القدس، لكنّ الأخيرة لم توّثق إلا في مخيم عسكر، لم توّثق بالصور، بل بالذاكرة، حُفِرت في تفاصيلِ الورق، في عيون أهل البيت الذي يأوي دماءه، وطعامُ السيدة التي احتضنت آلام أمه من بعيد.

خطَّ برشاشه الذي اتخذ حيزاً في الفضاء، صفعَ الهواء وفرّ إلى اشتباكه مع جنودِ المكائد، صفعهم وخطّ في قلوبهم رعباً وزادهم قبحاً رغم قًبحهم، وزاده شرفاً فوق شرفه الذي نُسجت تفاصيله عليه، فهو الأشرف الذي لم يمرَّ ولن يمر، نعالوة كان قد غرس الرصاص والخناجر وأطلقَ الدماء من قلوب وفرّ من شجاعته إلى حتفه.

وماذا بعده؟ وهل هناك بعده؟ أم قبله أم أن الزمان، قد تجمّد عند خروج روحه، وصُعِقت السماء قبل الأرض بفقده، وارتمت شقيقته الثكلى، في حضن الوطن، تُرى ماذا جمعها به؟ فقط حّضن آل بشكار، ونابلس التي كرّمته، أحبّته وأطعمته، وغرست في وريده ماء الثورة والمخيم، لم يخنهُ المخيم..لم يخنه الوطن.

في الطرف الآخر، ولا يصحُ أن يُقال الشق الآخر في الوطن، لكنّه الشق الآخر من الرصاص، قد صُعِقت السماء بروحِ البرغوثي، في هذا اليوم الثاني عشر من كانون الأول لعامِ الصعاب الفلسطيني عام 2018 ، ساعتان فصلت بين رصاصٍ ورصاص، وطريقِ الوطن الأوسط الذي يربط البقعة الواسعة من الوطن بشقيقتها الأخرى، هما نابلس نعالوة ورام الله البرغوثي، ونداء المخيمات لم يقف، فلكلٍ منها نصيب، وللوطن منها الحب الأكبر.