الأحد  24 تشرين الثاني 2024

انتفاضة رام الله... طعنة في ظهر القتيل

ال مش مواطن

2019-01-28 08:44:11 AM
انتفاضة رام الله... طعنة في ظهر القتيل

 

الحدث - ال مش مواطن - بقلم: جودة أبو خميس

قامت الدنيا ولم تقعد في رام الله لصدور حكم قضائي بحق رئيسي بلديتي رام الله والبيرة بتهمة "إعاقة تنفيذ أحكام القوانين أو القرارات القضائية، أو جباية الرسوم والضرائب خلافاً لأحكام قانون العقوبات النافذ"، ولا أستبعد أن ينتهي المطاف بمعاقبة كل من القاضي أيمن الظاهر، مصدر الحكم، ووكيل النيابة المكلف بتمثيل الحق العام محمد أبو وردة.

أتوقع أن القاصي والداني اطلعا على حيثيات القضية الذي لخصه بيان رسمي صادر عن المركز الإعلامي التابع لمجلس القضاء الأعلى، مبينا فيه أن محامي الدفاع ومكتب رئيس بلدية رام الله على الأقل مطلعان على الحيثيات ووصلتهم الاستدعاءات للمثول أمام المحكمة، ونظرا لعدم وجود حصانة لموظف عام يعمل كرئيس بلدية، فإن عدم الالتزام بالحضور إلى المحكمة يعتبر فعلا مخلا بالنظام. وعليه، فإن تغيب رئيس البلدية ومحاميه عن جلسات المحكمة يعتبر خرقا للقانون وتطاولا على هيبة القضاء.

إن ردود الأفعال والتجييش ضد صدور الحكم ومصدره، واحتجاج رئيس بلدية رام الله على "الانتقائية" في إصدار وتنفيذ قرارات المحاكم، يعبر بأمانة عن الحال المزرية التي أوصلتها السلطة الفلسطينية لقطاع العدالة في مشروع الدولة العتيدة، بانتهاكها لاستقلالية التقاضي، والتدخل في تعيينات وكلاء النيابة والقضاة، وإملاء قرارت القضاة، وعقد الصفقات، واستبعاد ذوي الرأي من القضاة ووكلاء النيابة، والهيمنة على عمل مجلس القضاء الأعلى.

ما هو الغريب في صدور قرار قضائي بحق شخص يمثل مؤسسة عامة، وهل تجاوز القاضي بذلك صريح القانون؟، وألم يوفر القانون آلية واضحة لمعالجة ذلك بالاستئناف على أي قرار. وعندما يشتكي أي مواطن طبيعي أو اعتباري على مؤسسة ما، فهل المطلوب من القاضي إصدار حكمه على حجارة المؤسسة وأثاثها، أو بحق من يمثلها بصفته المسؤول عن إنفاذ القانون فيها، ويتحمل مسؤولية عدم امتثال المؤسسة التي يرأسها للقانون؟

وبدلا من هذا الردح الفردي والمؤسسي المعيب، والمحتقن بنكهة طائفية كريهة، هل سألت المؤسسات التي هبت لإصدار البيانات عن حيثيات القضية أو اطلعت على القرار، أو سألت إن كان هناك فرصة لرئيسي البلديتين أو من يمثلهما للمثول أمام القاضي للدفاع عن قراراتهما، وتعليل أسباب عدم تنفيذ القرارات الصادرة بحقهما؟. من ناحية أخرى، لو كان القرار صدر بحق أي مواطن ولم يقم بالتنفيذ، فهل ستهب هذه الجموع الرادحة للدفاع عنه، أم أن ما وراء الأكمة ما وراءها. ومن قال إن إنجازات أي بلدية تشكل تصريحاً أو حقاً لرئيسها أو مجلس إدارتها للتصرف وكأنه فوق القانون، أو الاعتداء الجسدي على زميله عضو المجلس.

إن اللجوء لتحريض المؤسسات داخل فلسطين وخارجها، والتجييش ضد حق القاضي بإصدار قراره باستقلالية بحق أي منا وعلى الرأس من ذلك رئيس السلطة؛ يشكل سقطة معيبة بحق من يجلسون على كراس عامة، ومن غير المستبعد أن يكون هذا السلوك الاحتجاجي والمثير للنعرات مخالفا للقانون ويتطلب المساءلة.

في هذا السياق، وعلى الرغم من ما يجري اليوم بحق وزير الحكم المحلي في ضوء تصرفه غير المسؤول في الخليل، فإنه مطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق فورية للوقوف على ملابسات الزج بالبلديات واتخاذ ما يلزم لتصويب ما يتوجب تصويبه، ومحاسبة من يقفون خلف البيان الصادر ضد قرار المحكمة، واستخدام اتحاد البلديات لتعطيل العمل وإهدار المال العام بوقفه، لمجرد أن رئيسه طرف في هذه القضية، ويتوجب أن يتحمل الاتحاد مسؤولية قانونية وإدارية ومالية لدعوته إلى الإضراب، انتصارا له. وهل يعلم وزير الحكم المحلي بأن هذا السلوك العدواني ضد القضاء يكرس حالة الفلتان بحقه، ويعزز الانهيار المجتمعي ومنظومة القيم والالتزام تحت قبة العدالة، حتى وإن كانت منتهكة ومغيبة، فهو في نهاية المطاف مرجع البلديات وفقا للقانون.

وأين هي مجالس إدارات المؤسسات الموقعة على بيانات الشجب والاستنكار وهيئاتها العامة، التي شاهدت بكل ألوان الطيف كيف هبت قيادة هذه المؤسسات لتغذية التحريض والاستنكار على قرار قاض جريء، لمجرد قيامه بواجبه.  هذه المجالس ستكون شريكة في جريمة التطاول على القضاء إن لم تُسائل من ورطها في التطاول على مبدأ التقاضي، ومحاولة قاض يبدو أنه ما زال لديه بعض إيمان بأن "لا أحد فوق القانون" في دولتنا العتيدة.

من ناحية أخرى، ما هي الرسالة التي ترسلها المدارس الموقعة على البيان لطلبتها؟، ألا يشكل ذلك إعلانا لفلذات أكبادنا بأن هناك من هم فوق القانون، وأن قرارت المحاكم ليست أكثر من حبر على ورق إن تعلق الأمر بشخص ذو نفوذ، مهما كان هذا النفوذ متواضعا. وهل سيفعلها وزير التربية والتعليم ويسائل هذه المدارس على زج نفسها بهذا العبث، الذي يتحمل رئيسا البلديتان المسؤولية الكاملة عنه؟، وماذا سنفهم من عدم قيامه بذلك؟

أما ثالثة الأثافي برأيي، فهي الطائفية الكريهة التي برزت بقوة دفاعا عن رئيس بلدية رام الله سواء في البيانات أو وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك اتحاد أبناء رام الله في أمريكا، الذي لم نعهده يصدر البيانات في الشأن الفلسطيني، وبقدرة قادر أصبح من الغيورين على رام الله ورئيس بلديتها من هناك... حيث هاجر من هاجر ولم يتبق من تفاصيل التصاقه بالوطن سوى ما ورث عن آبائه وأجداده. ألا يشكل ذلك كشفا مدويا لهشاشة الانسجام الوطني؟، ومنذ متى تقوم الكنائس بالتدخل في شؤون دنيوية؟، وألا يخشى هؤلاء ومن جيشهم أن يتم الزج بالمؤسسات الدينية الأخرى في أتون هذه الهبة/المسرحية، كالجوامع، وآلاف المؤسسات الدينية الإسلامية!.

من المفيد تذكير رئيسي البلديتين، والمؤسسات التي انساقت في الجهود "الوطنية" لتقويض استقلالية القضاء، بأن واجبات من ينتخب أن يكون قدوة في سلوكه وتصرفاته، وأن يكون مثلا للجميع في ممارساته، ولو أتيح لي المجال بالتعرف على رئيس بلدية رام الله لكنت لفت نظره الى أنه كان الأجدر به التعامل بموضوعية حقيقية في رد فعله على القرار، لا أن يدعي بأنه تحت القانون، ويقوم بذات الوقت بالتجيش، أو السماح به، لإثارة النعرات الطائفية دفاعا عن تجاوزه (بصفته الاعتبارية) للقانون.

ضبوا الطابق يا صبري ويا حسين... وإحنا مش راح نرضى بالبين