الأحد  22 كانون الأول 2024

إمتداد أم انسداد! بقلم: موسى حيان / لندن

2019-03-15 08:00:00 PM
إمتداد أم انسداد!
بقلم: موسى حيان / لندن
موسى حيان

لأن الإبداع حرية يولد من الحرية، ويعيش في حدائق الحرية، فإن فرض القيود عليه هي الخطوة الأولى في الطريق الى المذبح، إنه ليس من الوعي الصريح بأهميته كما وجهل بمكنونه الحقيقي والطبيعي. أن ننسبه لاتجاه معين أو تحديده داخل مدرسة فنية معينة، وذلك لأنه هائل بدوره وروحه كما ولا حجم له، والقيام بذلك يعني تقييده في باطن النقيض.

إن حالة غياب الفنان، أثناء سعيه لتجسيد عناصر مدرسة فنية معروفة، بقصد أن ينتمي إنجازه الفني لها، ماهي إلا عملية تقييد ومضيعة للطاقة، والتي تعمل بدورها وفي غفلة منه على الاعتداء على روحه بشكل سلبي. للإبداع علاقة عميقة وكثيفة بالتلقائية التعبيرية بشكل غير مشروط.  إذ تنسجم تلك العلاقة بتحليق الروح المُجنَحة في كون الجمال، إنه من الخطيئة بمكان أن يبذل الفنان جهوداً تنتهي بعمل ينتمي لمدرسة.

إن التداعيات الحسية العفوية لهي مزيج عميق من الروح والصورة الحرة، ولا يهمها أثناء تلك اللحظات الملتهبة عشقاً أن تنتمي لمكان يُعد لها سلفاً، كما ولا تبحث عن موطيء قدم في عالم مألوف، وذلك لأن ما تحمله في تكوينها الصافي، وفي ثناياها قد يكون أعظم وأعمق بحيث يمكنه أن يرسم خطوط مدرسة أو نهج فني مهم وعميق يمتلك مقومات الدهشة والبقاء.

في أنفاق الروح تسري طاقة متجددة تحمل في طياتها المفاهيم العميقة للكون. وعندما تبدأ تلك الطاقة بالتدفق فإنها وبأهمية ما تحمله، يمكن لها أن تخلق منعطفاً شديد الحساسية والأهمية قد يغير كما ويضيف معارف وحقائق فنية وفلسفية، كان يبحث الإنسان عنها منذ قرون. وبذلك تتسع مساحة المعرفة وترتقي الفنون وتنهض، لذا فإن السعي المتواصل من الفنانين الى استخدام وتوظيف عناصر مدرسة فنية في إنتاجهم لكي يثبتوا مهاراتهم ومواهبهم لهو ضرب من السذاجة وهروب بالعجز عن مواجهة الجدية المطلوبة

لاستيعاب واستثمار تداعيات العملية ألإبداعية

إن التقرب والدراسة للمدارس الفنية مسائل ضرورية وذلك كونها تدخل الروح الى أماكن تحتاجها كما وتفتح الأبواب الى التفكير الذي بدوره يساهم في ارتقاء حواسنا. وهذه ايجابية كبيرة، إذ أننا في ثقافتنا لم نتعلم خطوات التفكير الذي من شأنه رفع مكانة التعبير بمهارة واقتدار.

 للحرية جذور عميقة في روح المبدع، وهي حاضرة ونابضة ولتوظيفها شأن كبير. لكن الذي حدث وعلى فترات زمنية ليست قليلة كان انبهارا عميقاً بتلك المدارس عكس نفسه بشكل غير مدروس وكذلك غير محسوس على مستوى وأداء كما وفاعلية الأعمال الفنية، مما خلف حالة انسداد في تكوين الفنان، وبالتالي في إنتاجه. إذ تحول الانبهار الى نهج في الممارسة، وعليه بنيت أحلام هي في واقعها ومضمونها، كوابيس أصبح التحرر منها أمر بالغ التعقيد والصعوبة

إن حالة الحرية اللا مشروطة التي يجب بالضرورة توافرها، تعتبر النقيض الضخم لمسألة العمل الموَجَه الساعي إلى بناء وإبراز عناصر المدرسة أو النهج الفني في محتوى الإنتاج الإبداعي. وعملية توفير العناصر تلك كانت قد أفضت بالنتيجة إلى إعادة تجسيد ما هو مجسد أصلاً. إذن هذه العملية كانت قد وصلت الى منطقة تمدد عادية، ولم يكن هناك ما هو مثير ونابض وجديد. إذ أن الجديد والمثير والنابض، لا بد أنه يتنفس في مكان ما، ولكن ذلك المكان هو ما بعد وخارج حدود المدارس الفنية المعروف.

ولذا فإني لا أرى الإبداع في الانتماء الى المدرسة الفنية، بل هو في ابتكارها وخلقها.