الخميس  21 تشرين الثاني 2024

الباحث نضال خلف: غسان كنفاني قدّم شخصية المرأة كجزء عضوي في المجتمع

2023-04-09 12:58:58 PM
الباحث نضال خلف: غسان كنفاني قدّم شخصية المرأة كجزء عضوي في المجتمع
غسان كنفاني

تدوين- سوار عبد ربه

احتلت المرأة عند غسان كنفاني مساحة واسعة في أعماله الأدبية، إذ كان حريصا على إبرازها كمكون أساسي وشريك في النضال الوطني الفلسطيني من خلال الشخصيات التي اختارها كبطلات لرواياته، واستطاع الأديب الشهيد من خلال نصوصه أن يتجاوز تنميط المرأة في الأعمال الأدبية من خلال تقديمه نماذج مختلفة للمرأة الفلسطينية. 

عن المرأة في روايات غسان كنفاني، التقت تدوين الباحث نضال خلف، وأجرت معه الحوار التالي: 

تدوين: سطعت المرأة الفلسطينية ضمن المحتوى الروائي الذي تركه غسان كنفاني، ما ينبه إلى تأثره بالنساء من حوله، حتى جعل منهن بطلات لرواياته، كأم سعد، صديقة العائلة التي اتخذ منها كنفاني رمزا للأم الفلسطينية، كيف انعكس هذا التأثر في حياته وتكوينه كأديب أولا، وكمناضل ثانيا؟ 

خلف: قد يبدو مكرّراً الحديث عن دور المرأة في حياة وتكوين غسّان كنفاني، خصوصاً في ظلّ الغزارة الأدبية التي أنتجها طوال حياته. تأثير المرأة في حياة وأعمال غسّان يمكن لمسه من خلال التناسق بين نصوصه وقناعاته الاجتماعية والوطنية فيما يتعلّق بتكامل أدوار أفراد المجتمع في معركة التحرير. إذ على الرغم من غياب أثر مباشر على مسار حياة غسان، يمكن للقارئ أن يلمس عفويةً مطلقة في تطبيق غسان لمفهوم المساواة بين الرجل والمرأة دون تكلّفٍ أو تصنّع، ودون فصلٍ أو اختلاق معارب بين الجنسين ضمن حلقة المجتمع الساعي لتحقيق حريّته.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن التماس الدور الكبير للمرأة في تحفيز الخيال الإبداعي العاطفي لغسّان في قصصه ومسرحياته، والذي لا يأخذ الكثير من الاهتمام إعلاميّاً، حيث لا يظهر هذا الأثر مبتذلاً أو مفتعلاً، بل صادقاً وحقيقياً.

تدوين: من خلال قراءتك لأدب الراحل من هن النساء اللواتي كتب عنهن غسان كنفاني، وإلى ماذا رمزت كل منهن؟

خلف: برأيي، لم يفتعل غسّان كنفاني للمرأة أدواراً مبنية على اسقاطاته ككاتب، بل قدّم شخصية المرأة كجزء عضوي في المجتمع، وهو ما يتلاءم مع نظرة غسّان المتمحورة حول دور الإنسان العربي ومسؤولياته، سواءً كان ذكراً أم أنثى. ومن هنا، نستطيع أن نفهم تقديمه لشخصيات كأم سعد وسواها من بوابة محاولاته لتشكيل الشخصية العربية بصفتها المعبّرة عن الهوية والقيم والأهداف التي ترمي إليها. وفي هذا السياق، شكّلت المرأة في نصوص غسّان وعاءً لتقديم رؤيته للإنسان العربي بشكل عام، مع الاحتفاظ بقدرة هائلة على تقديم شخصيات واقعية جدّاً.

لكن بالمقابل، برزت بعض الشخصيات النسائية في كتابات غسّان، فقدّم لنا الفدائية الفلسطينية "ليلى" في قصة "شيءٌ لا يذهب، والتي تُسرد بلسان عاشقها النادم الذي خذلها فيما تمسّكت هي بخوض المعركة ضد العدو. وفي هذا الإطار، شكّلت "ليلى" نموذجاً بارزاً من حيث انقلاب الأدوار بين الرجل والمرأة، فقد اعتادت النصوص على وضع المرأة في زاوية انتظار الرجل والحسرة على فقدانها، لتأتي ليلى فتقلب الآية. لكنّ هذا النموذج لم يأتِ من إسقاطات فكرية ولا من وحي خيال الكاتب، بل جاء تعبيراً عن نزعة سياسية-اجتماعية كانت قد تشكّلت داخل مجتمع الشتات الفلسطيني قوامها تحفيز للنساء والشابات للانخراط في العمل الفدائي.

تدوين: ما هو الإطار العام الذي صور فيه غسان كنفاني المرأة، وهل اكتفى بجعلها مرادفا للأرض والهوية الفلسطينية، بمعزل عن الجوانب الأخرى التي يمكن للأديب أن يغطيها كالاجتماعية والنفسية وغيرها من الهموم التي أثقلت المرأة الفلسطينية على مدار عقود من الزمن؟

خلف: ابتعد غسّان عن الإسقاطات الذاتية في تصوير المرأة، لكنّه لم يغفل عن تصويب البوصلة نحو بعض معاناتها. فقدّم من خلال شخصيّة "زينة"، الأرملة التي يبتزّها الفدائي-الفاسد "مصطفى" بالإعاشة لتحقيق غايته منها. وفي وصف زينة، يعبّر غسان عن جانب مظلم من جوانب اللجوء الفلسطيني في ظلّ انتشار الفساد والاستغلال، وما يتأتى منهما من قهرٍ للنساء في ظلّ عادات ترفض إشراك المرأة في الحياة الاجتماعية. رغم ذلك، وعلى عكس الكثير من أقرانه، لم يعلّب غسان كنفاني المرأة في قالب واحد، فهي في كتاباته ليست غالبة ولا مغلوبة، بل نموذج متعدد الصفات بحسب الظروف والسياق. وذلك لا يعدّ استحفافاً بمعاناة المرأة الفلسطينية، بل تأطيراً لتلك المعاناة ضمن المعاناة الفلسطينية والعربية الشاملة، مما يمهّد الطريق لتقديم النموذج-الحلّ للإنسان العربي، سواءً كان امرأة أم رجلاً.

تدوين: دراسات كثيرة أشارت إلى أن الفن والأدب على اختلاف أنواعهما، تأثروا بالمتغيرات السياسية التي طرأت على القضية الفلسطينية بمختلف مراحلها، إلا أن مرحلة النكبة أفرزت صورة كلاسيكية وضعت المرأة سواء في المكتوب أو البصري في إطار الضحية للمحتل فقط، مع اغفال الأطر الأخرى، هل استطاع غسان كنفاني أن يبتعد عن هذه الكلاسيكية سواء كأديب أو كتشكيلي؟ 

خلف: بناءً على الإجابة أعلاه، أعتقد أنّ غسان كان من القلائل الذين لم يسقطوا في فخّ "رمسنة" المرأة الفلسطينية وإسقاطها في قوالب اجتماعية. فمعاناتها الشخصية/الاجتماعية هي وجهٌ من أوجه المعاناة العامة بسبب الحرب الاستعمارية المفروضة على شعبنا، ومن هنا، لم تعد المرأة مجرّد "كيان مكمّل للرجل" كما يؤطرها أغلب الأدباء والشعراء الفلسطينيين، بل أصبحت هي أيضاً شخصية تحمل صفات الألم والمعاناة والمقاومة والصمود والتحدي، مثلها مثل الرجل. والإضافة التي قدّمها غسان هي الإضاءة (ولو باختصار) على معاناة المرأة من الفاسدين المستغلّين لسلطتهم الناتجة عن ظروف اللجوء لقهر النساء واستغلالهم.

باختصار، يمكن القول أنّ غسان ابتعد عن التصوير الرومنسي للمرأة نحو تقديمها كشخصية عربية أخرى بهمومها وصفاتها وآمالها.

تدوين: قالت رضوى عاشور "إن حضور المرأة في روايات غسان كنفاني قليل للغاية، وما دام غسان كنفاني قد اضطلع بمهمة الكتابة عن الوجود القومي لامه وماهيتها، فإن غياب المرأة كأم أو أخت أي كامتداد للرجل، مركز الوجود والصورة، يظل عيباً يؤخذ عليه"، في المقابل هناك رأي آخر يقول إنه أعطى المرأة موقعاً متقدماً من منطلق إيمانه بالمساواة وعدم التمييز التقليدي بين الرجل والمرأة وعندما تعرض غسان لموضوع المرأة من فهم تقدمي على خلاف الأعمال العربية التقليدية التي تحسن التعامل مع قضية المرأة، مع أي قول تتفق أكثر وكيف ترى صورة المرأة في رواياته؟ 

خلف: لا أتفق مع رضوى بكون "غياب" المرأة في نصوص غسّان أمراً يعيبه ويؤخذ عليه، وذلك لسببين. الأول هو أنّ غسان لم يقصِ المرأة نهائياً، بل قدّم شخصيات واقعية متعددة بسياقات تخدم الأفكار التي يرمي إليها. أما من جهة أخرى، يمكن اعتبار "عدم غوص" غسان في تفصيل مكنونات الشخصيات النسائية في كتاباته أمراً يُحسب له لا عليه. لأنه ببساطة رجل، وهو غير قادر على تقديم وصف دقيق لهذه المكنونات التي لا تعرفها إلا النساء في بلادنا. فالوصف مهما كان موضوعيّاً أو دقيقاً يظلّ خاضعاً لإسقاطات الكاتب، وهو ما نراه في أغلب الكتابات حول المرأة الفلسطينية التي يتمّ حصرها بأدوارٍ يقلّبها الرجل من مخيّلته وحاجاته. ومن هنا، نجح غسّان بأن يفرد للمرأة مساحةً في كتاباته دون أن "يفرض" عليها تعريفاً لمكنونات تجربتها الخاصة ضمن التجربة الشعبية العامة.

تدوين: ظلت المرأة ملازمة لغسان كنفاني حتى في رحيله من خلال ابنة أخته لميس التي استشهدت وإياه، وما بعده من خلال رسائل الحب لغادة السمان التي نسبت إليه وأعطت عنه صورة مغايرة لتلك التي تركها في حياته، هذا الارتباط العميق بين غسان والمرأة، يطرح تساؤلا عن ثنائية المرأة والرجل وشكل العلاقة بينهما، من خلال سيرة الراحل كيف فهم كنفاني هذه العلاقة؟

خلف: برأيي، أراد غسّان تقديم العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها علاقة تكاملية ضمن السياق الاجتماعي العربي. وهذا يعبّر عن توجّه غسان القومي العربي، الذي يرى في الفرد شخصيةً اجتماعية وجب عليها الالتزام بقيم وغايات مجتمعها. ومن الملفت أنّ العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة في نصوص غسان جاء أغلبها ضمن قوالب وصفٍ عفويّ يكاد يكون نسخاً حرفيّاً للعلاقات الاجتماعية في الواقع. وهذا أمرٌ يتميّز به غسّان دون سواه من الروائيين والأدباء، حيث يستطيع أن يسخّر تعقيدات الإبداع لتقديم صورة "بسيطة" عن الفكرة، وغالباً ما تكون هذه الصورة شبيهةً كثيراً للواقع.

بالتالي، يمكننا القول أنّ نظرة غسان كنفاني للعلاقة بين الرجل والمرأة لم تكن يوماً خارج السياق الاجتماعي والسياسي لشعبٍ مستعمَر، حتى أنّ أكثر نصوص غسّان العاطفية (كحواراته المسرحية) جاءت ضمن سياق الحرب وما تنتجه من ضغوطٍ يعيشها الإنسان المستعمَر الفاقد لكل شيء والباحث عن كلّ شيء.

نبذة عن الضيف:

نضال خلف: باحث وطالب دراسات عليا فلسطيني، ينحدر من قرية صفورية قضاء الناصرة وهو لاجئ في لبنان.