تدوين-ذاكرات
نشرت جريدة "القدس الشريف" الصادرة في القدس في عددها 33 بتاريخ الخامس من تموز 1920 مقالة بعنوان "هربرت صموئيل" تحدثت فيها عن تعيين الحكومة البريطانية له كأول مندوب سامٍ لها في فلسطين ومباشرته عملها فيها.
وفيما يلي نص المقالة:
اليوم وقد أتى هربرت صموئيل مرسلا من قبل الحكومة البريطانية بقرار من مؤتمر سان ريمو حق لنا أن نقول إن الحلفاء نكثوا بعهودهم ولم يحافظوا على وعودهم وأنهم يودون بتعاميهم عن الحقائق أن يدوسوا حقوقنا تحت أقدامهم ويستبدوا كما شاءوا وشاءت أهواؤهم.
ما كنا نتصور أن الأقدار ستقلب لنا ظهر المجن وترينا الكوارث والمحن فتدعنا (بعد أن كنّا حكاماً) عبيداً تحكمنا الصهيونيون. نحن لم نخض غمار هذه الحرب الضروس ونسفك دماء ابناءنا الطاهرة لأن نكون عبيداً أذلاء. لم نضع أيدينا بأيدي الحلفاء، ولم نعاهدهم بالحلف لنترك بلادنا التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا إلى الصهيونيين يستثمرونها ويستعمرونها ونحن ننظر وأيدينا مغلولة. أين الإنصاف، وأين العدل بل أين حقوق الإنسان المهضومة التي حارب الحلفاء من أجلها؟ إذا كانت نصرة الشعوب الضعيفة التي أهرقت دماء ملايين من البشر من أجلها هي إقامة عرش أمة على أمة أخرى لها من العز والتاريخ والمنعة ما ليس لغيرها تريد أن تقطع أوصالها فتهلكها فبئست هذه النصرة وحرام على تلك الدماء الطاهرة التي أحرقت. نحن لم نسء للحلفاء كما أساؤا إلينا، ولم نغدر بهم كما غدروا بنا ولم ننكث بعهودنا معهم كما نكثوا بعهودهم معنا نحن أبناء أمة عربية قد طلبنا الحياة كما يحيى الإنكليزي والإفرنسي والأميركي ووضعنا أيدينا بأيدي الحلفاء فحرام عليهم أن يغدرونا ويجرعونا كاس السم قهراً نحن إن متنا فلن تموت منا الروح الوطنية ولئن ردمنا تحت الثرى فستبقى عظامنا في القبور تصرخ إلى الأبناء أن احتفظوا ببلادكم ولا تدعوا الغير يتمتع بظلالها!
اليوم أتى هربرت صموئيل ولسوف نرى من سياسته ما تكشفه لنا الأيام. سيدعوا أعيان البلاد وسنرى من منهم يلبي النداء. وسيكلف البعض بقبول وظائف إذ سيبدأ بتشكيل الحكومة الملكية فسنرى من يقبل التوظف.
لا ثالثة لطريقتين سيتبعهما إما الشدة في السياسة أو اللين والرخاء. يقول البعض أنه سيميل إلى العرب أكثر من اليهود ليظهر لهم عدالته ومساواته للشعوب في بادئ الأمر ويقول آخرون أنه سيسير على الخطة التي تؤيد مطالب الصهيونيين في إنشاء أرض إسرائيل. يظهر البعض من اليهود عدم الرضى من تعيينه وقلوبهم ترقص طرباً وما ذلك إلا ليغطوا الحقائق بستار الخفاء. زار فلسطين زوار كرام وما لبثوا أن غادروها تاركيها لأهلها يحكمون بها كما يشأون.
ونحن بذي الدنيا كركب سفينة نظن وقوفه والزمان بنا يجري.
وما يدرينا أن يرجع هربرت صموئيل عن غيّه عندما يتحقق له صدق العرب في محبة أوطانهم وشدة تمسكهم بها وحرصهم عليها ويعود فيدعوا أبناء العرب ويخاطبهم بلسان حكيم إن هذه بلادكم أنتم أولى بحكمها فهي مسلمة إليكم ويعود من حيث أتى؟ الدهر أبو العجائب والليالي حبالى يلدن كل عجيبة.
(سبحان مغير الأحوال ومبدل الكون سبحانه إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون).